فلسطين قضيتنا للأبد 

غير ضروري أن تقرأ تاريخ القضية الفلسطينية لتعرف أي وجهة تأخد وأي صف تقف، وغير ضروري أن تكون مهتما بالسياسة والاقتصاد، الألوان واضحة، والأطراف أيضا واضح مسارها، يكفي فقط أن تكون إنسانا سويا يفكر بالعقل ويُبعد العاطفة الوهمية التي تدغدغها شعارات الإعلام الغربي والعربي للأسف ومن تحاول تشويه الصورة الحقيقية، التي تحتوي على الحقيقة فقط ولا شيء غيرها، يكفي أن تقف بعيدا وتشاهد بتركيز ماذا يحدث، وتملك قدرة لا بأس بها على تحليل الأشياء وتصنيفها في خاناتها المناسبة.

القضية الفلسطينية لا تحتاج منك مجهودا عقليا لتُصنفها، واضحة هي وضوح الشمس، فمنذ نعومة أظافرك وأنت ترى شريط العاجل أمام أعينك، شهداء تختلف أعمارهم، لا يميز العدو في حربه بين عجوز وشاب، بين طفل ورضيع، حتى المرأة ذاك الكائن الرقيق والناعم لم تسلم من تجاوزاتهم.

أخبرك جدك ذات مرة عن لصّ سرق الأرض لأصحابها، وأكد لك والدك القصة وأنها فلسطين المسروقة أراضيها إجبارا، وفي ريعان شبابك شهدت وقرأت الخبر لوحدك وسبحت في أعماق القصة، حتى أنها كانت موضوع أحد اختباراتك المدرسية، لذلك فأنت لا تستطيع التجرّد منها، رافقتك في أهم مراحل حياتك، تعرفها كمعرفتك لتاريخ بلدك وإن لم تكن تعرف فأنت جاهل ومُقصّر في حق عروبتك،

لا تستطيع بل غير ممكن وممنوع كليا أن تتنكّر لهذا التاريخ الذي تنتمي له أو تقف في المنتصف متفاخرا بما اخترعوه اليوم وأسموه “الحياد”، فذاك جبن وقلة مروءة وشهامة.

فكونك مسلم، إنسان قبل كل شيء وإنسانيتك تميّزك عن باقي الكائنات الأخرى فلك القدرة على وضع كل شيء في مكانه المناسب، والقدرة على ملء الفراغ بما يناسب دون حيرة أو تردد. حتى وإن راودك الشك بخصوص هذه القضية، أو اعتدت المشهد وأصبح شيئا عاديا، قف بعيدا لتراه كاملا، واضحا، ركّز جيدا ولا تجعل الأحداث تفوتك، القمع والحرمان عنوان تلك الصورة التي أمامك، قتل وهدم، جثت مرمية هنا وهناك تملأ المكان لتفوح منه رائحة المسك واستنزافٌ لا ينتهي رغم المقاومة.

مقالات مرتبطة

صراخ طفل، عويل أم، وصرخة صامتة لأب، دمعة فتاة كسائل بركان تتّخذ خدّها مجرىً لها، أنين دفين تحت الأتربة، لا يعلم هل هو في حلم أم الحلم هجم على نومه واستعمر منطقة أمنه وأمانه؟ بكاء رجل دموعه غسلت وجهه من غبار التّراب وألسنة نيران محلقة في السماء تعيد عرض مشاهد غفلتها أنت وغفلها العالم، دخانها أخفى الزُّرقة المعتادة، زُغرودة وصرخة تُسمع من بعيد؛ تُطلقها أم شهيد عشريني وشباب مثله واجهوا العدو بصدور عارية وعرق الرّجولة والشهامة يتصبب من جبينهم.

صاحبة أعين قطية، حلمت الأمس ببذلة تخرج، بتتويج، بزوج رسمته في مخيلتها وأبناء احتضنتهم في المنام وأرضعتهم حليب النضال والتضحية، ها هي الآن تغادر إطار أحلامها هذا في عزّ شبابها وعلى جبينها كُتب إسم شهيد بدم أحمر داكن.

طائرات جادت عليهم وأمطرت غير المطر، وأغرقت الأرجاء بفيضانها ودماء شهيد نظّفت الطريق المُدنّّسة بخطى صهيوني قذرة، ومدّعٍ للعروبة يقف هناك، يشاهد من بعيد كحرف ساكن غير متحرك. وأعيننا تشاهد عبر نافذة متحسرة على وضع لا تملك له حيلة.

هذا المشهد القصير الذي لا يمثل سوى القليل من المشهد الكبير ومن المعركة بأكملها، وقوفك بدون ردة فعل سيجردك من إنسانيتك وتُبصم صفة الجبن على جبينك. صحيح أننا لا نملك سلاحا ندافع به عن قضيتنا العادلة، لا نملك قوة شعبها، لكننا سنحارب بما نملك، سنحاول رغم اعتراض الجميع،

التعريف بالقضية هو جزء من المقاومة وأفضل سبيل للتعريف بها هو القراءة، سنقرأ تاريخنا الذي ننتمي وينتمي لنا، سنعيد الأحداث التي مرت عليها سنوات، سندخل لتلك المشاهد ونرى الفواجع التي حصلت، نرى الجرائم الي ارتُكِبت في حق شعب ذنبه الوحيد أنه يحارب من أجل قضيته، وأرضه وهويته، وسنروي القصة للأجيال كلّها.

وجب علينا أن نؤمن بقضيتنا هذه وننكر جميع الأشياء الزائفة ودولتهم الوهمية، ففلسطين هي الأصل، هي الأمل وذاك الشُّعاع الذي يتسلّل لغرفتك المظلمة. ففلسطين هي القضية العادلة وهي الصورة التي تبعثرت وتشتت وتبحث لوحدها عن أطرافها الضائعة والمختفية تحت الحطام.

1xbet casino siteleri bahis siteleri