السودان: سلة غذاء العالم المثقوبة ! شبح الخراب والتقسيم برعاية صهيونية‎

1٬513

سودان النيل: عن مُقَدرات سلة غذاء العالم 

لقد حبا الله هذا البلد العظيم بقدرات ضخمة جعلته في مدار التصنيفات العالمية من حيث الثروات الطبيعية والمساحة الجغرافية، فهو من أضخم وأعرق البلدان الإفريقية والعربية بل والشرق الأوسط بمساحة تزيد عن 1.8 مليون كلم مربع (8٪ من مساحة القارة) وكعاشر أوسع قطر في العالم بإشعاعه الحضاري وتاريخه العميق المتجاوز لتاريخ الأهرمات المصرية. كما يتشارك حدوديا مع 7 دول أفريقية متميزا عنها بشبكة ربط طبيعية للطرق في مختلف الاتجاهات، ويستخدم ميناء بورتسودان لإيصال المنتجات الزراعية، ويخترق امتداده شريان نهر النيل الأطول في العالم مما تختزن بطبقاته الجوفية بحيرات مائية هائلة تمنح أهل البلد إمكانية سحب من مخزونها الجوفي بين 200- 600 مليار متر مكعب كل سنة، فضلا عن المناخ المميز الذي يُكسب الشبكة المائية مياه أمطار وأنهار موسمية وأودية تقدر موارها السنوية بتريليون متر مكعب.

أما عن عن الموارد الزراعية فإن السودان يتوفر على مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة ذات الجودة العالية والتي تصل إلى 200 مليون هكتار، %45 مستعملة لزراعة المحاصيل الغذائية أي ما يقارب أضعاف أراضي مصر المخصصة للزراعة التي لا تتجاوز 4,5 مليون هكتار، بينما تتوفر المراعي الطبيعية على مساحة كبيرة وخصبة تبلغ ما يقرب عن 50 مليون هكتار، مع مساحات من الغابات المطرية التي تقدّر بنحو 70 مليون هكتار متجاوزا مساحات دول الهلال الخصيب مجتمعة. كما يمتلك السودان من الأنعام ( 140 مليون رأس) والأسماك (130 ألف طن سنويا) ثروة جعلت القطاع الفلاحي أهم القطاعات المرشحة للمساهمة كسلة غذائية لدول القارة السمراء وعلى المستوى العالمي كذلك.

كما أن أراضي السودان تكتنز ثروات معدنية ومخزونا طاقيا كبيراً من البترول واليرورانيوم والذهب والحديد والنحاس.. بحيث تقدر كمية مستخرجات الذهب من المناجم ما يقارب 100 طن سنوياً.. بلغت قيمة صادراته السنة الماضية نحو 2 مليار دولار، لكن لم يدخل من إيرادته إلى خزانة الدولة سوى قيمة لا تتجاوز 20 طن فقط بسبب احتكار جنرالات البشير وفساد العسكر. هذا ودون الحديث عن الكميات المهربة إلى الخارج والتي قد لا تقل قيمتها عن 7 مليار دولار سنويا، بينما شركات الدولة والخواص المحليين لا تنتج سوى 20 طنا.

لكن سلة الغذاء العالمي تعرضت لكارثة الثَّقب واختُرقت منذ ظهور بوادر الأزمة السياسية لإقليم دارفور قبل سنة 2003، وما تعرض له السكان بعد ذلك من تهجير ونزوح إثر المجازر والإبادات المرتكبة على يد عصابات “الجنجويد”، واتسعت رقعة الثقب مع انفصال جنوب السودان عن شماله سنة 2011 تلذي عرّض الاقتصاد السوداني لحصار دولي بعد المطالبة برئيسه المخلوع الأسبق “عمر البشير”، بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرم إبادة قد أدخل البلاد في حالة كارثية من انعدام للأمن، بعد أن أعلن دمجه للميليشيات في الجيش وكذلك إضعافه الأمن الغذائي ضد الثوار والحراك الشعبي، مما أفقد السودان مواردها النفطية الكبيرة لصالح الجنوب، ثم تحولت بعد عزله عن الحكم إلى دولة تمزقها الصراعات والثورات، عجزت على إثرها سلة الغذاء عن إطعام شعبها الذي انتشرت طوابير طويلة تطلب الخبز في شوارع الخرطوم أمام المخابز، فضلا على أن تكون سلة غذاء للعالم.

سلة الغذاء مثقوبة بخراب العسكر وشبح المجاعة 

بعد انتفاضة 2019 التي أطاحت بالمخلوع عمر البشير، حاولت الحكومة الجديدة بقيادة عبد الله حمدوك تحت إشراف قادة العسكر ومن خلال مجهوداتها في نجاح طلب إعفائها من سداد معظم الديون الخارجية المستحقة عليها (24 مليار دولار) لصالح البنك وصندوق النقد الدوليين وجدولة ما تبقى منه (9 مليار دولار) على مراحل، كما استطاعت في برنامج للتخفيف من حدة الأزمة الغذائية التي عصفت بأكثر من %46 من سكان السودان الذي تحول إلى واحد من أفقر بلدان القارة والعالم المثقلة بالديون .. وقد أظهرت إحصاءات البنك المركزي أن السودان استطاع خلال حكومة عبد الله استيراد 2.8 مليون طن من القمح بقيمة مليار دولار من أصل احتياجاته الإجمالية 3.6 مليون طن لصناعة الخبز، وذلك وفق توقعات منظمة FAO الأممية للأغذية والزراعة، كما سارعت الحكومة إلى احتواء معدلات التضخم في مستوى %155 مقابل 48 جنيه سوداني للدولار الواحد وتحسين مستوى الدخل الفردي بالرفع من مناصب التشغيل التي استطاعت تقليص نسبة البطالة آنذاك بفارق %20 بعد أن وصلت %83 في عهد البشير، ولكن العسكر حال دون مواصلة هذه الحكومة سيرها نحو إصلاح ما أفسده النظام السابق وأجهض جهودها الكبيرة في انقلاب عسكري سنة 2021.

 وبعد أن شهد ملف إقليم دارفور تحولات محورية كانت قد ساهمت في إشعال فتيل مواجهات وقتال بين الثوار وعصابات البشير من الجنجويد والتي كانت ذات تأثير كارثي على الساكنة بعد أن دارت رحى الاشتباكات المسلحة حولهم والتي كلفت البلاد فاتورة باهضة تجلت في انعدام الأمن وارتفاع نسبة الفقر وأزمة الغذاء. وحسب ما صرح به منسق الشؤون الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية، فإنه هناك نحو 7 ملايين امرأة وطفل دون سن الخامسة في حاجة إلى مساعدات غذائية خلال عام 2023، بل هناك حاجة ماسة لأكثر من 2 مليار دولار لتقديم المساعدات العاجلة إلى 15 مليون شخص يعانون بشدة من الهشاشة وفق الأمم المتحدة في بلد زراعي بامتياز أصبح يعد الآن من أفقر دول العالم تراجع فيها دخل المواطن السوداني إلى أقل من 2 دولار يوميا، وحيث يواجه ثلث سكانه أزمة جوع على وتيرة متزايدة تستورد حكومته القمح الضروري لصناعة الخبز بلغت قيمة ما يستورده نحو 1.5 مليار دولار، بعد أن تخلت عن برامجها لدعم المزارعين في ظل الأوضاع المضطربة بالنزاعات، لاسيما الوقود اللازم لسقي محاصيلهم وجنيها وقد ارتفع ثمنه بشكل أعجزها عن مواصلة دعمهم، ولأن واردات السودان خلال العام الماضي فقط من الوقود بلغت نحو 2.9 مليار دولار، وهو أداء اقتصادي مزرٍ عندما نتحدث عن أقاليم تطفو على البترول ولا تستفيد منها الخزانة الطاقية للدولة ولا برامجها في القطاع الزراعي إلا جزءا ضئيلا ضمن موازنة اقتصادية ضعيفة جدا وصل بسببها سعر الدولار إلى نحو 400 جنيهاً سودانيا، فإن ذلك ساهم في توقف الاستثمارات في المجال الفلاحي وانعكس على صادرات السودان من زراعة وماشية بالرغم من توفر المؤهلات الطبيعية للرعي (500 مليون دولار من العائدات الفلاحية المتوقعة تضيع سنويا).

حتى بعد انفصال الجنوب عن شمال السودان وظهور الذهب كرافد مهم للخزينة العامة، إلا أنه أمام مشاهد الانقسامات السياسية وظهور الميليشيات المسلحة لم تنعكس هذه الثروة الثمينة على تحقيق تنمية ومعالجة أزمة الجوع والرفع من جودة الخدمات والصحة وتوفير التعليم، بل يمكن القول بكل أسف أن الوضع الاقتصادي مع ارتفاع وتيرة التهريب وتعدين الذهب والمعادن الثمينة خلال الانقسامات والصراعات العسكرية الآن يزداد سوءاً ويتوسع بشكل مضطرد مؤثرا على الأداء الحكومي المتشبع بفساد مالي وإداري حسب تقرير مجموعة العمل المالي GAFI لسنة 2022-2021، حتى تضاعفت قيمة الديون الخارجية بعد تراكم الفوائد والزيادات على تأخير السداد إلى ما يتجاوز 80 مليار دولار وفق تقرير بنك السودان المركزي في وحدة الدين الخارجي.

في معترك مسلح على رقعة شطرنج

إن المتتبع للشأن السوداني خلال العقدين الأخيرين لاسيما الصراع الذي دارت رحاه في إقليم دارفور، وما ظل من أثر المجازر البشعة التي ارتكبتها مليشيات “الجنجويد” في حق الأهالي داخل القرى والمدن، من قتل للرجال والأطفال (ما يفوق 21 ألف من الضحايا) واغتصاب للنساء وهجمات وحشية أطفأت فيهم جذوة الحياة و حرق للبيوت والحيوانات ودمار غير مسبوق- لأدرك أنه نفس الطريقة لنفس العصابات التي أدمجها البشير في الجيش بعد أن منحها رتبة ولباسا عسكريا تحت اسم : قوات الدعم السريع، هي ذاتها الآن التي تدخلت في عسكرة الحياة المدنية وتوجيه أذرعها السياسية بما يخدم أجندات حلفاءها الداعمين لها من الخارج، وقد حولت حياة السودانيين إلى جحيم منذ 9 أشهر وتزيد خلال مواجهات مسلحة ضد قوات الجيش التي لا زالت تدور معاركها حول حسم السيطرة على ولايات السودان التي لم تجد قوات الدعم السريع المتمرّدة تحت قيادة آل دقلو صعوبة في التوغل داخلها خصوصا الأجزاء الكبيرة من مقاطعات العاصمة الخرطوم ومدن كبرى كود مدني من ولاية الجزيرة إثر انسحابات مريبة لفرق متمركزة للجيش دون قتال.

حتى الواقع السياسي منقسم ولاؤه تجاه الطرفين، فكما حصل الجيش السوداني على دعم كبير من التيار الإسلامي العريض بمقاتليه، إلى جانب أحزاب ذات ثقل سياسي وقاعدة جماهيرية واسعة كالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، ومؤتمر البجا، مع دعم جيوش مقاتلة الحركات المسلحة التي وقّعت على سلام جوبا، والذين شكلوا تحت قيادة الجيش السوداني جبهة موحدة ضد قوات حميدتي التي ضمنت أيضا ولاء بعض القوى السياسية من حكومة عبد الله حمدوك وقوى الحرية والتغيير وهي تحاول كسب الود الأمريكي والأوروبي رغم تصدع لحمتها السياسية المساندة للحميدتي، وازدادت وتيرة الإدانات الدولية لجرائم قوات الدعم السريع ضد الإنسانية، وتهديد أمن السودان واتهام الأطراف بالعمالة للأجندة الخارجية.

لكن حسم النزاع شكل عبئا كبيرا على السودان وأدخله نفقا مظلما، سيتطلب سنوات من التعافي بعد موجة نزوح الملايين من السودانيين ( أكثر من 20 مليون نازح منهم 4 مليون طفل ) هربا من الاقتتال الحاصل في المدن المشتعلة لبسط قوات الدعم السريع سيطرتها على كل السودان، وما زالت تحاصر السكان العالقين داخل تلك الولايات في محاولة لكسر إرادة الحاضنة الشعبية لقوات الجيش السوداني ورضوخ قائده : عبد الفتاح البرهان الذي يحرص على عدم قطع التواصل وإيجاد صيغة تفاوضية، لخلق توازن بين مكونات البلاد في المرحلة المقبلة ربما قد تفضي إلى تفاهم مشترك ونتائج ترضي الطرفين في لعبة حذرة تجمع المصالح بين الأطراف خصوصًا وأن الإشكالية كامنة في مدى تعمق السيادة والنفوذ المزمن في بلاد النيل الأبيض والأزرق الذي دائما ما يكون مرتبطا بالطموحات الشخصية والإثنية، وإعلان الانقلابات العسكرية.

لكن توالي سقوط المدن تباعا آخرها ود مدني من ولاية الجزيرة بعد انسحاب لوائها المتهم بالخيانة والتواطؤ في إخلاء المواقع دون قتال لصالح قوات الحميدتي، ومعها المناطق المجاورة والحاميات العسكرية، بنفس الطريقة، يوجس بأن هنالك حالة تواطؤ جماعي، بل أنه هناك جهة ما خارجية تساهم من خلال شراء الذمم والولاءات بالمال والنفوذ، في تهيئة الأوضاع لانقلاب عسكري آخر يزيد من وتيرة إغراق البلاد في الفوضى كخطة قد رُسمت وحددت، مما يدفع السودانيين إلى إدراك حقيقة أنه لا يزال الخطر يتربصّ بالبلاد من مكونات الجيش وحلفائهم في الخارج، وأنه كلما ظهر بصيص أمل لهم في انتهاء كابوس الحرب المدمر أو ضوء خافت لحياة مستقرة وأقل بؤسا في آخر هذا النفق المظلم، تأتي ظلمة أخرى أشد فتخمد جذوة آمالهم لانتهاء مآسيهم، وتزيد من رقعة الثقب اتساعا حيث تجعل البلاد تحت وطأة استنزاف كنوزها الباطنية لصالح الشركات الأجنبية المتعددة التي كشفت عنها تقارير سرية وغير سرية، كنشاط شركة فاغنر الروسية في استخراج الذهب واليورانيوم بجانب شركات فرنسية وأمريكية تعمل على مسح طبقات الأرض والكشف عن المقدرات الباطنية، هذا ودون ذكر الشركات الإسرائيلية التي تنظر إلى بلاد النيلين على أنها بوابتها الإفريقية، حتى تضع موطئ قدم لها بتخوم المضيق الإفريقي تطل منه على البحر الأحمر وتحكم ملاحتها على بلدانه الشاطئية لاسيما اليمن والسعودية ومصر، فضلا عن الأطماع المتزايدة باستغلال الموارد البحرية والزراعية والطبيعية، ولا عجب أن نرى رغبة الكيان الصهيوني في تدخله لحل أزمة السودان المشتعلة بين اثنين من أمراء الحرب قرارا الانقلاب ضد أحلام السودانيين، ثم طمع كلاهما أن يسيطر على حصة الآخر من الانقلاب، وهما يرغبان معا بإنشاء علاقات تطبيع دافئة مع الاحتلال رغم معارضة القوى الشعبية والإسلامية.

الخطط الإسرائيلية في العمق الإفريقي 

ظهرت الرغبة الصهيونية الشديدة للكيان في أن يكون له في السودان موطئ قدم بغرض التوغل فيه باتجاه الغرب الإفريقي وتأمينه لمصالحه، وذلك من خلال عدة ملفات كانت الزراعة إحداها. ولأنها الصناعة الرئيسية في البلاد خاصة المناطق الزراعية الضخمة الممتدة على طول حوض النيلين شمالا وجنوبا، أعلن الكيان عن استعداده للاستثمار والتمويل لصناعة الأسمدة وتطوير الزراعة عبر إنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم من طرف الشركة الإسرائيلية “داشان”، في محاولة للسيطرة على حظيرة الحبوب والسلة الغذائية في أفريقيا، بعد أن تعرض لسلسلة من الاتهامات والفضائح حوله بإفساد التربة الخصبة في مصر واليمن وليبيا بمواد سامة ومسرطنة تغير من نوعية المزروعات وتسبب أضرارا خطيرة على صحة الإنسان والبيئة الزراعية.

وعلى الصعيد الأمني فإن السودان كان يُعتبر لدى كيان الاحتلال والولايات المتحدة والغرب الأوروبي على مدار سنوات طويلة حتى إسقاط نظام البشير، بمثابة العمود الفقري اللوجستي للمنظمات العسكرية المصنفة لديهم كجماعات “إرهابية” في الشرق الأوسط، مثل حزب الله وحركة المقاومة حماس والجهاد الإسلامي، باعتباره أحد أهم الممرات الحيوية للسلاح المتجه إلى المقاومة الفلسطينية في غزة من إيران نحو موانئه وعبر وسطاء أمنيين، بل اعتبرته ملاذا هاما لتنظيم القاعدة في إفريقيا حيث كانت لهم معسكرات تدريب المقاتلين ومستودعات لتوريد السلاح.

وقد عمد الصهاينة إلى تنعيم التطبيع بين تل أبيب والخرطوم، في محاولتهم قطع الطريق على حركات المقاومة الفلسطينية بخصوص استيراد أسلحتها من خلال تأثير اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية بإعلان استعدادها عن استبعاد السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وتصفير الديون الخارجية، مقابل تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي والتعاون الأمني لمحاربة التطرف، وهو ما قد تم بالفعل شهر أكتوبر سنة 2020 في مدينة عنتيبي الأوغندية في لقاء بين نتنياهو والبرهان وسط تنديد عربي وإسلامي، حينما أعلن الطرفان أنهما “اتفقا على بدء تعاون من شأنه تطبيع العلاقات بين البلدين”، وهو ما كان يحتاجه الكيان كورقة رابحة في البيئة الإقليمية لتخرجه من المأزق الحاصل لديه بعد الهزائم التي مُني بها من توقف اتفاقيات أبراهام لتطبيع علاقاته مع الدول العربية، والذي على ما يبدو أنه أصبح يلعب دورا أساسيا في أزمة حرب الجنرالات الراهنة حول تولي السلطة، وبلا شك يساهم في تأجيجها عن طريق الدفع بشركائها من الخليج في الدعم والتمويل.

وعلى الرغم من أن حميدتي والبرهان يتهافتان لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني رغم المعارضة الشرسة من القوى الشعبية والإسلامية في الداخل والخارج، إلا أن حميدتي أكثر جرأة من غريمه في إعلان رغبته دون تردد، ولذلك ينظر الصهاينة إليه وقواته كفرصة ذهبية تمنحهم قدرة التحكم في مفاصل الدولة السودانية، وبمساعدته ستتمكن من تحطيم مؤسسة الجيش ذات التوجهات الشعبية والإسلامية، كما أن حلم سيطرتها على الشريط الشاطئي للبحر الأحمر وممراته الإستراتيجية سيتحقق بوجود أمير حرب يحلم برمزية سيادته على السودان كحميدتي،

الذي يرى الخبراء والمحللون على أن وصوله للسلطة سيعني تسليم مفاتيح السودان بزراعاتها ومياهها وموانئها وثرواتها، وجعلها تحت تصرف الكيان الإسرائيلي الذي سيسهل عليه إتمام مهمته تقسيم البلاد كما فعل سابقا في الجنوب، إلى فصل ثلاثة دويلات متناحرة عن بعضها في الوسط والغرب والشمال، مستغلا الصراع الإثني والوضعية الاقتصادية والاجتماعية المزرية خلال الحرب القائمة الآن التي قد تجذب السودان -في حالة وصول آل دقلو إلى سدة الحكم- نحو قطار التطبيع مع تل أبيب في كسر للمشهد التاريخي لهذا البلد الذي احتضنت عاصمته الخرطوم مؤتمر القمة العربية في 1967، والذي أعلن فيه القادة العرب ضد الصهاينة أنــه: “لا للاعتراف، لا للصلح، لا للتفاوض”!