التعاطف مع المجرمين والافتتان بهم..كيف يمكن تفسيره؟

974

على إثر الضجة التي خلفتها هذه الفترة في محاكم فرنسا حول إدانة واتهام رجال مشاهير من عالم الفن والرياضة في قضايا اغتصاب واعتداء على النساء، أثار موضوع التعاطف النسوي مع المدانين زوبعة من النقاش المتضارب في مواقع التواصل الاجتماعي.

تعتبر هذه الحالة واحدة من الظواهر النفسية غير العادية التي يصعب تفسيرها ومتابعة أنماط تغيرها اللحظي وعلى المستوى البعيد، فنجد متلازمة ستوكهولم نظرية نفسية تبين مدى صعوبة فهم وإدراك خبايا النفس البشرية فيما يتعلق بمشاعر التعاطف مع القتلة والمجرمين، كما تبين أيضا مدى ذلك التدرج النفسي من التعاطف والتآزر من اللون الأبيض إلى اللون الأسود. وحيث أن مرتكبي الجرائم تعتبرهم المجتمعات مذنبين وجب عقابهم وردعمهم؛ فإننا سنجد على الجانب الآخر فئات تزداد كل فترة يتجلى دورها في التعاطف مع الجناة وتبرير جرمهم تحت طائلة أسباب متعددة، تجعل من علم اجتماع يفرز نظريات تنصب على دراسة التأثير الذي يتركه التعاطف مع أنماط الجريمة في الأوساط المجتمعية.

حول التعاطف الذي يحصل عليه المجرمون من طرف النساء تقول كاثرين رامسلاند وهي أستاذة علم النفس الشرعي في جامعة ديساليس أن بعض النساء على وجه الخصوص يرغبن في الزواج من الذكور السفاحين للأسباب التالية:

حيث تطمح هذه الفئة من النساء أن تصير قوية وقاسية مثل زوجها السفاح. أو أن هناك من تطمح للحمل من هؤلاء المجرمين بصبي صغير تسهر على تربيته كرمز للقوة وكتذكار من زوجها. في حين تسعى بعضهن لنيل الشهرة من الزواج الصادم مع المجرمين عبر تغطية من الإعلام أو الظهور في فيلم وثائقي أو غيره.

مقالات مرتبطة

وهذا الافتتان النسوي بالقتلة هو في الحقيقة حالة مرضية ناتجة عن الشعور بالخوف أو الدونية داخل وسطهن، ويقارن عند خبراء الصحة النفسية كنوع من الشعور المتطرف والقناعة المتعصبة، حيث يعتقد هؤلاء النساء أنهن سينعمن بالأمان في أحضان المجرمين والقتلة، كما ترغب أخريات في ارتباط عاطفي مع هؤلاء.

ومن أمثلة هذا التعاطف النسوي المتطرف مع المجرمين خلال محاكمة تيدي بندي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أدانته المحكمة بقتل أكثر من 30 امرأة بعد تجميع الأدلة لجرائمه التي أثبتت أنه مهووس بالنيكروفيليا والكانيباليزم (حيث يمارس الجنس مع المقتولات أو يأكل من لحومهن دون استثناء عمري). لكن المفاجئة الصادمة هو أن تيدي أصبح نجما لدى جحافل من النساء تنتظرنه أمام المحكمة بالهتاف والإعجاب ولافتات الدعم والحب، مشوشات على المحاكمة حتى يفلت من عقوبات ثقيلة كالإعدام، لدرجة أن أكثر من واحدة قد طلبت منه الزواج منها داخل المحكمة، وكان المجرم تيدي يتلقى مئات بل آلاف الرسائل الكتابية والجنسية في زنزانته.

وهو الأمر نفسه الذي تعرض له المجرم ريتشارد راميريز الذي عُرف بـ (المترصد الليلي) حيث نشر الذعر والخوف في عدة مدن، وفي ولاية كاليفورنيا الأمريكية في أوائل الثمانينات والذي أدين بـارتكـابه 13 جريمة قتل و11 اغتصاب بدون ذكر عمليات السرقة والاعتداء على الممتلكات، حيث كانت النساء تعامله كنجم سينمائي مفضل أمام المحكمة وأظهرن دعمهن له وافتتانهن به خلال المحاكمة لدرجة أنه قد تزوج من تلك الجحافل النسائية مرتين داخل السجن بعد أن حكم عليه بالمؤبد ثم الإعدام.

والأمر ذاته تكرر مع شيطان ميلووكي وآكل لحوم البشر المجرم جيفري دامر رغم إقراره بميوله الجنسي الشاذ، كذلك مع المراهق الأمريكي كاميرون هيري عقب الحكم على المراهق ذي 24 سنة عقب قتله لامرأة وابنها، حيث أصبح وسم العدالة لكاميرون الذي تداولته الإناث في مواقع التواصل الرقم 1.

حالة التعاطف اختلف في تفسيرها الكثير من الخبراء؛ فمنهم من اعتبرها ناتجة عن التعاطف الأعمى اللحظي الناتج عن الخوف من إزهاق روح المجرم الذي قد يناسب معايير جمالية معينة أو يظهر نوعا من الحسرة والندم لما ارتكبه، ومنهم من اعتبر حالة التعاطف المتطرف هاته ناتجة عن الإحساس بالعدالة التي ينفذها المجرمون في حق أشخاص فاسدين، أو التمرد ضد التركيبة الشعورية التي ذاقتها هؤلاء النسوة كالدونية أو الاحتقار وجلد الذات أو الإحساس بالخوف وغيره.. مما يجعل هذه الحالة الشاذة جديرة بالدراسة والتعمق في تفسير مكنونات الشعور البشري وسلوكياته.