مرض عضال

الحنين الجارف، والدموع بين الرموش وعلى الوسائد، القلوب التي تكون متيمة وتغدو ميتمة، تقلصات عضلة القلب، الألم الشديد وحمى المشاعر وزوبعة الأحاسيس. عاصفة هوجاء تغتال ما بين الضلوع، زلزال لم يشمله سلم ريختر يضرب جسدك بكامله فيغدو خرابا ودمارا؛ جميعها أعراض مرض عضال يهاجم القلب ويتمسك به حد انتحار كل خلاياه استسلاما في معركة الحب: إنه الحب من طرف واحد.

نعم أيها السادة، فكما قال الفقيه ابن الحزم في طوق اليمامة: “الحب أعزكم الله أوله هزل وآخره جد.” فالهزل تلك الدغدغة التي يستشعرها القلب عند أول لقاء، والهزل هو الفرحة الأولى والبسمة الأولى، أما الجد فهو الألم وخيانة النسيان وفوضى الحواس.

بينما تمشي في طريقك نحو الهدف، يشوش عليك إحساس خفيف بداية، يشتد ويزداد وطأة يوما عن يوم، ذكرى بعد أخرى حتى تغدو غريقا في مثلث برمودا، لا أحد يتجرأ على انتشالك من عزلتك، حتى من أحببته لا يكترث فحبك لا يعنيه، ولا يبقى لك سوى الموت غريقا في مياه الحب لأنك في النهاية لن تنقلب سمكة، وإن فعلت التهمتك الحيتان الضخمة وسط عاصفة الحياة.

ما الحل إذن؟ وما السبيل إلى الخلاص؟ سؤال صعب، لا يجيبك عنه طبيب ولا كاهن، لكن، قد يصادفك شخص جريح يفهم ألمك وينظر إليك نظرة الذي أعطته الحياة حكمتها، بصوت رزين ينصحك: استعن بالنسيان. يا إلهي، وصفة سحرية!! لكن، من أين للعاشق بها؟

كيف ينسى والذاكرة امتلأت صورا لم تلتقطها سوى آلة التصوير الخاصة بها ولم يولها الطرف الآخر أية أهمية؟ كيف ينسى وهو فوق الكوكب نفسه حيث أحب لأول مرة وحيث التقط قلبه إشارة الحب الخاطئة؟ وكيف ينسى والسماء ذاتها لا زالت شاهدة على إحساسه ذاك؟ كيف ينسى والقمر الذي كان بشرى خلال فرحته الأولى أصبح عزاء له في مصيبته؟

كثيرة هي التساؤلات والتأملات في هذا الباب، لكن، ما الجدوى منها إن كانت لا تؤدي إلى النسيان ولا تفضي إليه، حتى مرض الزهايمر لا يشفع ولا يرحم قلوب المنكوبين. فلا يبقى سوى حل وحيد هو الوقاية لمن لا زال قلبه سليما والدعاء لمن أصابه المرض. والوقاية تكون بالحرص على ثلاثة عناصر: الوقت المناسب، والجرعة المناسبة والشخص المناسب.

فأما الوقت المناسب فذاك الذي لا يتقاطع مع مواقيت مشاريعك الخاصة كي لا ينقلب الحب تضحية وتكون أنت الضحية، وأما الجرعة المناسبة فهي التي لا تتجاوز مقدار حبك لنفسك ولا تتعالى فوق كبريائك وكرامتك ومبادئك، والشخص المناسب من يصدق في حبه ولا يستنزف طاقتكم خدمة لأنانيته.

لست مفتية ولا طبيبة نفسية، لكنني اليوم أنتحل شخصية طبيبة تخصصها القلب والالتهابات العاطفية، ففكروا في كلماتي لعلها تقيكم شر ما وقع فيه الكثيرون، فلا نرى في الشوارع والحافلات ولا بين مدرجات الكليات جثثا ماتت أرواحها فداء للحب من طرف واحد، ولتكن كلمات الأديبة أحلام مستغانمي مرهما لضحايا هذا المرض العضال: “لا تستنزفي نفسك بالأسئلة، كوني قدرية، لا تطاردي نجماً هارباً، فالسماء لا تخلو من النجوم، ثم ما أدراك؟ ربما في الحب القادم كان نصيبك القمر!

1xbet casino siteleri bahis siteleri