الامتحانات الجامعية: هل تحفز الطالب أم تؤثر على نفسيته؟

“يوم الامتحان يعز المرء أو يهان”، قولة لطالما رددناها سواء للعبرة أو من باب المزاح، وها أنا الآن جالسة داخل قاعة الامتحان، أحاول الإجابة لكن أسئلة وجودية عديدة تنهال علي من كل جانب. أتساءل عما أنا مقبلة عليه، هل يستحق كل هذا العناء؟ هل فعلا ورقة من خمس خانات من شأنها أن تحدد مصيري؟ أأعز أم أهان؟ غريب هو أمري، أفكر في فلسفة الامتحانات وجدواها فيما علي أن أضع القدم والساق للخروج بدون إهانة من قاعة الامتحانات هذه.

إن الامتحانات الجامعية منها والإشهادية، تشكل دورا مهما في الحصول على الشواهد والدبلومات التي تخول لنا فرصة الحصول على حياة عملية، لكن، هل تؤهلنا بما فيه الكفاية لعيشها؟

سؤال مهم، لا يسعني أن أجيب عنه لا بالإيجاب ولا النفي، لأنني وببساطة أملك حججا لإقناع نفسي بالموقفين، فإذا ما جزمت بخصوص دور الامتحانات في تأهيلنا لعيش حياة عملية صحية بكفاءة عالية، فستنقسم حججي إلى محورين: المحور الأول يتعلق بكونها جزءا من التكوين، فيما يبين الثاني دورها كوسيلة لترسيخ ما تعلمناه.

مقالات مرتبطة

أما المحور الأول فأستهله بقولة لأحد أساتذتي بالجامعة، الذي لطالما ردد بنبرته الفرنسية: “الامتحان ليس مجرد اختبار لمكتسباتكم بل هو تتمة لها”. فحينما تنبني الامتحانات على المنهج العلمي الذي ندرسه فهي تمكن من تشخيص مكامن الضعف وتسهم في تحديد الأهداف اللازم تحقيقها من خلال دراسة منهج ما، وبذلك فهي توجه عملية التعلم وتكمّـل تكوين الطالب النظري.

ثم المحور الثاني، ويتعلق بدورها في ترسيخ ما تعلمناه. هذا المحور لا يختلف عن سابقه، إنما يفسره من زاوية أخرى، تتمثل في كون الامتحانات، التي هي في الأصل مجموعة من الوضعيات الإشكالية، تمكن الطالب من استثمار المعلومات التي درسها لحل هذه الإشكالات، وبالتالي فإنه يسبر أغوار ذاكرته ويبني روابط متينة بين المعارف التي تلقاها، لتصبح ذات معنى وقيمة من الناحية العملية.

وعليه فإن الامتحانات كوسيلة لتقييم المكتسبات، طريقة ناجحة لتسهيل التعلم وتوجيهه، إلا أنني لحدود الساعة لم أذكر سوى فوائدها وإيجابياتها. لننتقل إذا إلى الجانب السلبي، والذي يتجلى أساسا في تدمير نفسية الطالب. نعم، تعد فترة الامتحانات من أكثر الفترات إرهاقا في حياتنا كطلبة. نواجه خلالها التعب الذهني بسبب طول المناهج وصعوبة بعض المواد، ثم يأتي ضغط المجتمع؛ إذ يختزلنا في معدلات ورتب، فنصبح عرضة للمقارنة: “لقد حصل فلان على العلامة الفلانية فيما لم تتجاوز أنت المعدل” و”لقد اجتاز من الدورة العادية فيما تنتظرك الاستدراكية” وغيرها من العبارات…ناهيك عن الضغط الذي يولده التلاعب بالأسئلة، والتغيير المفاجئ في صيغة الامتحانات وعوامل أخرى. وإنني إلى حدود الساعة، عزيزي القارئ، لست أكتب لأتذمر ولا لأشكو، إنما أحاول لفت انتباهك لترى كيف أن الامتحانات توفر حياة عملية لكن تمنعنا من عيشها. فبعد سنوات طويلة من الدراسة، نقضيها سجيني المكتبات أو غرفنا لجمع المعلومات وحفظها دون تفنيد أو تشكيك، نقبلها كما هي، فلا وقت لدينا لممارسة القراءة النقدية! نمتنع عن مقابلة أفراد جدد ولا نجد فرصة لعيش حياة اجتماعية سليمة فنفقد مهاراتنا في التواصل. نتعرض لبعض الصدمات، نصاب بأمراض عضوية نتيجة التوتر كأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وأخرى نفسية كالاكتئاب. فكيف لنا بعيش حياتنا العملية هذه دون تواصل ولا رغبة ولا شغف؟

وإن كانت من رسالة أريد تبليغها من خلال مقالي هذا، فستكون دعوة مباشرة لكل منا، عزيزي القارئ، سواء أ كنت طالبا، أو مدرسا أو أبا، لقبول ذواتنا وللوعي بكون الامتحانات ليست سبيلا لنعز ولا لنهان، إنها مجرد تقييم لتحصيلنا المعرفي لا لشخصيتنا ككل. دعونا نهون من قيمتها لعل آثارها على نفسيتنا تهون، فيصبح محركنا الشغف لا العلامات والفضول المعرفي لا الرتب. حينها سنصبح ذوي كفاءات لا شواهد ودرجات واهية، ولنحذر جميعا من أن تمنعنا الدراسة من التعلم!