حرب نون النسوة: قراءة في كتاب شفاه صامتة وقلوب تتحدث لطارق رفعت

1٬712

في الأيام الأخيرة نضبت كلماتي، على عكس مشاعري التي صارت متدفقة بشكل لا محدود تثيرها كل الأحداث من حولي: أوطان محتلة، وحقوق مسلوبة، وكلام الساسة اللامنطقي ونظرات المجتمع وآماله التي بدأت توجه نحوي والكثير الكثير من الصخب المزعج.

أحاول إكمال حياتي والاستجابة لكل الالتزامات التي تنتظرني، لكن صوتا في داخلي لا يصمت. كيف أسكته يا ترى؟ بماذا أشغل دماغي لكيلا يفكر بشيء غير ما أقوم به؟ أمسكت هاتفي أتأمله لعلي أجد ما يساعد، فإذا بي ألمح تطبيق “اقرأ لي” مركونا بين التطبيقات يتساءل متى أزوره. ولجت التطبيق وألقيت نظرة على الكتب المقترحة: مجموعة قصصية لطارق رفعت بعنوان: شفاه صامتة وقلوب تتحدث. شغلت التطبيق وباشرت مهامي اليومية وكلي آذان صاغية لكلمات الكاتب، سافرت في مكاني إلى بيت كل سيدة من السيدات اللواتي شملتهن القصص. تأملتهن، لمحت جزءا مني فيهن، وتابعت الاستماع إلى أن أكمل القارئ الإلكتروني القراءة، فوجدت نفسي أمام فوضى شاعرية لا يقوى على ترتيبها سوى قلمي. ومقال اليوم سيكون قراءة في هذا المؤلف لعلي أنجح من خلالها على مناقشة ولو جزء بسيط من الأمراض الفتاكة التي تنهش مجتمعنا عامة والمجتمع النسوي خاصة.

إن مؤلف شفاه صامتة وقلوب تتحدث يفصح عن طابعه من خلال عنوانه الذي يوحي بأن ما يحتويه الكتاب انعكاس لكل ما تصرخ به قلوب النساء كل يوم فيما لا تقوى شفاههن على الاعتراف به والبوح به أمام المجتمع وقيوده. وقد تناول من خلاله الكاتب طارق رفعت ثلاثا وعشرين قصة لسيدات عربيات تختلفن من حيث الظروف، فيما يقبعن داخل قوقعة المجتمع الذكوري ذاته؛ منهن المطلقة التي يخاف الجميع على أزواجهن منها، ومنهن العانس أو بالأحرى العازب التي تكاد تعتبر من ذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي نجود عليهن بالدعاء في كل مناسبة عائلية، ولا ننسى المتزوجة التي تعاني في صمت يتخلله صراخ الأحاسيس. ولم ينس الكاتب الإشارة إلى حرب نون النسوة التي تشنها كل امرأة على بنات جنسها مستخدمة الرجل كسلاح فتاك. لقد كتب طارق رفعت بقلم رجل عن معاناة المرأة العربية والغريب أن كل شخصيات قصصه كن من المثقفات الناجحات في حياتهن، فقد انتقل من الصحفية إلى الطبيبة مرورا بمديرة الأعمال ليصل إلى المطربة.

وقد وجدت في كل قصة من قصصه إشارة إلى مرض من أمراض المجتمع، فالمرض الأول والأهم هو الصمت وادعاء الرضا تحت ذريعة أن ما نقوم به هو من المعايير الاجتماعية التي لا ينبغي الخروج عنها. ثم المرض الثاني هو الفضول والتطفل الذي ينخر عظام مجتمعنا ويعطي لكل الحق في إصدار أحكام لا مجال لها من الصحة على الآخر، بل ومحاولة فرض معاييرنا الخاصة على الآخر. ثم تناول إشكال المرأة المطلقة والمرأة الأرملة وما يتعرضان له من نصب واحتيال ومحاولات استغلال، وإن رفضن الخضوع لها اتجهت صوبهن أصابع الاتهام بما لا تحبه النفس ولا يرضاه أي منا لشخصه.

لقد شمل هذا الكتاب عدة ملاحظات مهمة وعبارات في الصميم تصيب جراح المجتمع مباشرة فتدميها وتذكرنا بها. ولم يبق لي سوى أن أقول إن المجتمع مادام لا يتعامل مع المرأة على أنها شخص ذو حرية وكرامة وحقوق فلن ننهض أبدا من انتكاستنا هذه، ولن يتسنى لنا المضي قدما نحو الأفضل. والأهم من ذلك أن أشير إلى كوننا لن نبلغ هاته المرحلة من الرقي الفكري والاجتماعي إلا إذا صرنا كنساء شخصا واحد لا تعرقل إحدانا حياة الأخرى ولا توجه لها الصدمات في إطار حرب نون النسوة.