مقاومون لإحقاق الحق!

1٬607

سلام على مدينة تفوح عطر الأنبياء، سلام على شعب بلد ما عرف الاستسلام إليه سبيلا، سلام على أم قد صبرت لألم الفراق وافتخرت وتشرفت باستشهاد ابنها، سلام على أب خرج مهرولا لمكان عمله فأصبح في عداد المفقودين، سلام على شيخ اعتكف في مسجد حتى راحت رشقة من القنابل تحفل باستشهاده وهو غير آبه سوى بالسجود لله تعالى، سلام على طفل لم يعرف للألعاب وجودا سوى حجارة بين يديه معلنة استمرار المقاومة، سلام على شاب ما كان حلمه سوى الدفاع على أرضه ونيل شرف الاستشهاد، سلام على صفعة تسللت على خد المحتل معلنة ومؤكدة على الصمود رغم صمت الصامتين وكيد الكائدين.

إنه لمن الفخر أن أتناول قلمي بين أناملي فأند به بكلمات ستظل عقيمة في وصف أرض شع فيها نور النبي المصطفى محمد ﷺ، في حدث تخللته أعظم المعجزات النبوية ألا وهي الإسراء والمعراج، ناهيك عن أنها أرض احتضنت جل الثقافات دون تمييز، فكانت خير مضيف مما لا شك فيه، هي أرض الرسالات ومهد الحضارات بشتى أنواعها، هي أرض الديانتين المسيحية واليهودية، فشعت نورا بقدوم محمد ﷺ حين قابل ربه من وراء حجاب فتكتب فيها أعظم الفرائض الإسلامية التي ما تلبث حتى ترمم صلة العبد بربه ألا وهي الصلاة.

فلسطين تاريخ ومجد، أرض كانت على وجه الوجود منذ عقود ومئات السنين، احتضنت القاصي والداني، المسافر والمقيم، المتعب والمرتاح، شعبها هو الآخر إن دل على شيء دل على الجود والكرم، على المقاومة والكفاح من أجل حرية ناضل من أجلها منذ أكثر من أربعين عاما من الزمن، مع تحمل جل أنواع الإهانة والظلم التي يتعرضون لها، فلا ترى الحسرة أو التعب والخجل على وجوههم، بل ترى الفخر يلمع في عيونهم، ومن أجل الشهادة هم طامحون، فهم ما دافعوا إلا على حق في أرض ورثوها منذ تاريخ مجيد قد مضى، فترى ابتسامة الاستفزاز التي ترتسم على وجوههم لحظة الاعتقال توحي أنهم على استعداد للتعرض لشتى أنواع الظلم والتعذيب من أجل عدم السماح لمستوطن جاهل عقيم التاريخ أن يتخذ أرضا غير أرضه رمزا له، ومجدا غير مجده.

قد خلفت النزاعات بين الدول العربية شرخا في العلاقات التي تجمع فيما بينها، إلا أنها ما عرفت سبيلا للتفريق بينها في القضية الفلسطينية، فترى شعوبها تتمظهر في شتى بقاع الأرض مناهضة ضد العدوان الذي يمارسه من لا هوية له ويسعى لتحقيقها على حساب شعب المقاومة لكن هيهات ثم هيهات، جبان يعي تحت ظلال الصهيون من أجل التفرقة بين الساسة العرب، فهل لهم أن يستيقظوا من هذا السبات الذي هم فيه منذ الأزل؟

ترى شعوب العالم تصرخ بأعلى صوت مناهضة لحرية الفلسطينيين وتحرير أرضهم التي ورثوها منذ أجيال وحقب مضت، صحيح أن الحدود مغلقة في وجوههم إلا أن أصواتهم وحسرتهم ومبادراتهم الجمة قد اخترقت جل الحدود السياسية، فرضخ الصهيون رغما عنهم، يا حسرتاه، فما بالكم لو كانت مفتوحة؟ لما أصبح حقا للصهيون وجود. ترفع أعلام فلسطين بكل فخر واعتزاز وتصدح الأصوات بكل عزم وإرادة أننا بالروح بالدم سنفديك يا فلسطين! كيف لا وأنت جزء لا يتجزأ من الأراضي والحضارة العربية، وكذا التاريخ الإسلامي، سنفديك حتى آخر قطرة دم، وسنظل شامخين كأبنائك وإن تلقينا الرصاص، أو تعرضنا للاعتقال أو الإهانة فلنا من الفخر والحكايا ما سنرويه لأحفادنا ونحن ندافع عن قضية أرض العزة والشرف، هذا أقصى متمنياتنا، أن نكون يدا بيد ضد صهيون ما كفاه صراخ أجدادنا وأمهاتنا وبكاء أطفالنا، ونظل صامدين مثلهم حتى يتراجع ويتوانى الصهيون عن مرادهم الزهيد، ولن ينالوه ما دامت وحدة الشعوب العربية تساند الشعب الفلسطيني بكل ما أوتيت من الوسائل والسبل وإن كان الحل الوحيد هو التمظهر أمام الحدود فسنتخذه، وإن أردانا الرصاص شهداء لا قتلى. كيف لنا أن نظل صامتين أمام هذا العدوان، كيف لنا أن نقبل إخواننا يهانون في شتى بقاع فلسطين، كيف لنا أن نقبل بأن تنتهك حرمة مسجد أرض المقدس، كيف لنا أن نقبل أن تهان شعائرنا الإسلامية والشعب الفلسطيني يناجي ربه عسى النصر يكون حليفهم ويكون في أقرب الآجال وقد ذل الصهيون من كل الجهات، كلها آمال كبيرة إلا أنها أحلام قريبة ومحققة أكيدة بإذن الله تعالى.

بالفعل، قد عجز القلم مرة أخرى عن التعبير، ولم تعد تنصف الكلمات وصف هذه المدينة، أو وصف بسالة شعبها وقوة أبنائها وشموخ شيوخها وجلد أمهاتها، كيف أن جثمان الشهيد لا يشيع في جنازة بل يشيع وكأنه عرس، فرحين مهللين باستشهاده وجهاده وملاقاته لربه وقد أفنى عمره وهو يجاهد في سبيل الله، ناهيك عن أنه ناضل من أجل مقدسات دينه واحترام حرمة بيت الله عز وجل، بل نال شرف الدفاع عن أرضه و كرامته التي لم يسمح بأن تداس أو تهان ولو تحت رشقات من الصواريخ، وإن لامسته رصاصة فإنه يظل شامخا لا يركع لصهيون يخاف من حجارة وصوت شعب يهلل في الأرجاء، ولو كان وراء سلاح قد يردي قتيلا من هو أمامه، إلا أن الخوف قد تملكه من الرأس إلى أخمص القدمين، كيف لا وهو عن الحق معرض وعن وهم من أجله يناضلون.

هنيئا لك يا فلسطين وكفاك فخرا بابنك الصامد، فلا قوة تسقطه ولا أصفاد توقفه ولا حتى رصاصة تقتله، بل ابتسامة على وجهه ترتسم لحظة الاعتقال وأخرى لحظة الاستشهاد، وشموخا عند ضرب من الرصاص، ويظل راسخا في ذاكرة كل فلسطيني عربي يغار على قضية ويناضل من أجلها رغم جل محاولات التفرقة بينهم أو التفرقة بين العرب، فكما سبق الذكر ونعيدها في كل مرة أننا بالروح بالدم سنفديك يا فلسطين، فسحقا للخائنين وسحقا لكل صهيوني لم يعرف للإنسانية معنى أو للحق سبيلا.