أرحنا بها يا بلال

وكم من عاصفة، جعلتنا الدنيا نعيش في خضمها دون رحمة، وكم من مرة ألقت الهموم علينا عباءتها السوداء، فأصبحت الظلمة تغشى عيوننا فلا نرى سوى سواد يحيط بنا، وكم من لحظة انكسار كنا نرجو كتفا نتكئ عليه عسى الهموم تتساقط تباعا مع نثرات الدموع التي أصبحت لغة تترجم جروحا بداخل قلوبنا، وكم من مرة رجونا لو أن هناك صديقا، نلقي على كاهله آلاما أعاقت مضينا قدما، عل ظهورنا تخف ونبدأ في اتخاذ أولى الخطوات نحو بداية جديدة، لكن أحيانا نجده وأحيانا أخرى تراه هو الآخر قد عصفت به الدنيا في الجانب المظلم الآخر.

هي مرات عدة التي نلجأ فيها لصديق يتجرع معنا مرارة الحياة فنرى فيه الأمل وأن حلوها قادم لا محالة، وكم احتجنا لأخ سند  يوم ينحني ظهرك من ثقل المطبات اليومية، أو أم تتخلل أصابعها خصلات شعرك وكأنها في كل مرة تعيد فيها تلك الحركة إلا وأسقطت من رأسك أفكارا ما كانت سوى أن تعيق مضيك قدما، أو أخت كانت لك ملاذا فلا تلبث نفسك حتى تراها تبوح بمكنوناتها علها تشاركك لحظات مضت فتدرك بها ذاك البصيص الذي تبخر مع آلام يومية متتالية تلقي بسهامها على قلبك دون شفقة. صحيح أن البوح وأقرب الناس إليك قد يخففون معاناتك لكن ما إن يختفون إلا وتجد نفسك في نقطة البداية ومجهوداتك السابقة أصبحت هباء منثورا.

في خضم تقلبات الحياة المضنية، كم كنا نتوق الهرب إلى كون آخر، عالم نعيش فيه بقوانينا ومرادنا، ذاك العالم الذي جل مدنه فاضلة حيث تكسوها المثالية من كل النواحي فلا دموع تذرف إلا وقت الفرح ولا قلوب تنكسر ولا آلاما تعاش، فقط نلقي بتلك الأوجاع وتتبعثر مع انتقالنا من عالم لآخر، فنتخلص من كل تلك الذكريات التي نهشت دواخلنا نهشا، فتصبح تلك الروح التي تخللتها المتعة قابلة للأفول وتحل محلها روح كئيبة ترى الدنيا في أحلك اسودادها، نغمض العيون لنجتر تلك اللحظات، لكن ما تلبث حتى تزورنا على شكل كوابيس، نستيقظ مع طبول تدق بسرعة داخل صدورنا لا تأبى أن تتوقف، فتتسلل تلك الأفكار داخل رؤوسنا مفادها أننا دون جدوى ولا نصلح لأي شيء بل كل ما تلمسه أيادينا إلا وكان مصيره الضياع، فنصدقها وكأنها هي الحقيقة.

لكن المؤسف هو أن تظل تلك الأفكار لصيقة بنا حتى تصبح واقعا لا مفر منه، أو بالأحرى ما هي إلا وسوسات الشيطان التي ظلت تلازمنا خاصة في أوقات الضعف والهوان، فننسى الهدف الحقيقي الذي من أجله نحن نتلفظ أنفاسنا، ننسى أن الحياة الحقيقية هي تلك في الطرف الآخر، نعبر إليها محملين بكومة من الأعمال خيرا كانت أو شرا، فنحاسب على كل تفصيلة علها تشفع لنا فتدخلنا لنرى وجهه الكريم، أو تسقطنا في هوة من النار فلا منقذ ولا حنين، فالحياة التي اخترتها يوم تلقى ثمنها في الطرف الآخر، فاجعلنا يا الله ممن كانوا على خطى نبيهم يتقفون أجرا ويرجون شفاعته ورؤية وجهك الكريم.

مقالات مرتبطة

في كثير من الأحيان نستسلم لمشقات الحياة ونلجأ لمن يربت على كتفنا ويخفف آلامنا ويرشدنا ولو بكلمة لطريق الصواب دون سواه، لكن في الحقيقة دائما ما نرانا مخطئين فنظل نسبح في تلك البركة من الأفكار المظلمة والأحزان التي تنهش دواخلنا هشا، فالصواب هو نلجأ لبين يديه، فلطالما كان قريبا ينقذنا من مصاعب الحياة، فما تتجرعه النفس الآن من مرارة، سيقف أمام قدرة الله واهنا لا محالة، فهو المنقذ سبحانه كما كان في كل مرة.

صحيح أننا في حاجة إلى أولئك الذين ضحوا بوقتهم ولحظاتهم من أجل الاستماع إلى ما تبوح به قلوبنا، فقط كي لا نشعر بوحشة وسط هذا العالم، لكن في الحقيقة نغفل أن انحناء جبين نحو الأرض كفيل بأن يحط رحال ما أثقل ظهورنا أرضا، كفيل بأن يجعلنا أخف وزنا ويلقي بالهموم جانبا وأنت تسلم نفسك لبارئها تتضرع له بكل حواسك وأعضائك، فقد أصبح هو الملجأ والملاذ والمهرب من تقلبات الحياة المضنية.

الصلاة مصدر صلة العبد بربه وأساس الطاعات وعمود الدين وأسه، هي قرة عين المؤمنين وراحة المهمومين وملجأ الخائفين، وملاذ الراجين، يتسارع الناس لنيل رضاه بالصلاة ويتهافت الناس عليها علهم ينعمون بلحظة انفراد مع الله تعالى يقاسمونه أحزانهم وآلامهم ويدعون بكل اللغات وكل الإشارات عل بصيصا من الأمل يتجلى وسلط ظلمة الدنيا الحالكة.

هي وسيلة نطرح فيها مواجعنا التي تركت ثقوبا في أنفنا ظننا أنها ستبقى مفتوحة للأبد، لكن الاستلام وطرحها بين يديه حتى أبدلها الله سكينة وأمانا وكأن تلك الأحزان قد أعلنت عن موعد رحيلها وجمعت أمتعتها واختفت بين دهاليز الذكريات والماضي، وكأن ذاك الوجع الذي ظننا أنه لم يكن ليندثر يوما ما تراه وأنت تناجي به ربك حتى تلاشى بين موجات صوتك، وسقط مع كل دمعة خرجت من عينيك، تتحرر نفسك من أسر ذنب اقترفته أو حزن خلفته توالي الأيام.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزَّ به أمر فزع إلى الصلاة، فهي دليل الحائرين فما شغل أمر أحدنا حتى رأيته يهرول بجسده إلى الصلاة عله يرى إشارة يتخذ بها قرارا يلقي بحيرته جانبا، ناهيك عن أن الصلاة يمحو الله بها الخطايا، ويعلي بها الدرجات ويكسب بها الحسنات ويثقل الميزان وأول ما يحاسب عليه هي الصلاة فهي عماد الدين.

1xbet casino siteleri bahis siteleri