رسائل غريب: الرسالة الرابعة – جبل عال

مرحبا صديقي الغريب؛
لقد عدت لأكتب إليك بعد غياب طويل بعض الشيء، لكني أكتب إليك من جديد لأننا قد عقدنا العزم على صعود الجبل العالي أمامنا قليلا قليلا. فهل نصل القمة، هل نصعد الجبل يا صديقي؟

في رسائلنا السابقة تحدثنا عن السؤال الذي قد يخرجنا من دوامة التيه، وعن الظلام الذي يحيطنا ونترك أنفسنا بين مخالبه، وتحدثنا عن الخوف المرهق وهو يطفئ شمعة الشغف رويدا رويدا. فهل عدت منطفئا حقا يا صديقي، هل أنت منطفئ؟ ما الشغف أيها الغريب؟

وأنت في أشد فصولك قحطا، تترنح أحاسيسك بين الأبيض والأسود فلا تدري أي الطريقين طريقك. وأنت جالس ذات مساء فتداهم صدرك ريحا ثقيلة، تسقط عنك أزهارك وتنسيك كيف يعبر الناس سالمين صراط الحياة. وأنت تجهز فطورك الصباحي، فلا تدري أي شيء قد يشغلك يومها، لقد توقف عدادك فلم يعد ينبت من قلبك زهر الأمل. وأنت تنسى مساء كيف حالك، وقد يسألك أحدهم فتجهل الجواب، لا كلمة قد تصف حالك، لأنك عدت دون أي حال.

وأنت صامت بين الزحام، تسمع ضجيجا قد أتعب رأسك، ولا تلقي بالا لمن يود مصافحتك أو الذي يلقي السلام، فقد صرت دون سلام. وأنت تعرف أنك لست بخير، تحاول أن تقتسم ما فيك مع من حولك، ولا تعترف أبدا أنك لست بخير، لأنك توهم نفسك بأن من حولك أفضل، وتوهم من حولك بأنك أسوأ.

هل يهتز قلبك يا صديقي حين يحدثك أحدهم عن جمال الحياة، ولون الربيع الأخضر الذي يزين الأرض. هل تتغير ألوان وجهك حين تتأمل الطفل الصغير وهو ممتلئ بالحب حين يلعب لعبته المفضل البريئة.

حين تحمل ثقلا وهميا يا صديقي فأنت منطفئ، حين يغير الوهم فرضيات حياتك يجعلك منطفئا. لقد عدنا نعيش وسط الأوهام الزائفة أيها الغريب؛ كلما اقتربت من شاشة هاتفة البيضاء، تحملك السفن الوهمية نحو الجزر البعيدة، فلا أنت هنا ولا أنت هناك. ترى أشجار الكرز المزهرة وسط البحر، وتحملك الرياح لتلبس رداء القصور، ولا تدري أين أنت حقا، فلا أنت هنا حيا ولا أنت هناك.

تبحر بعيدا فتلقى الحسناوات اللواتي يجعلنك تصغي لشبح شهوتك المقرفة، فتنسى كيف يمكن للوهم أن يبعدك عن أرض الحقيقة. لا تتوقف أبدا، تتجول بين أزقة القلاع، وتجلس على كرسي الملك والسلطان، وأنت ترى نفسك متوجا بتاج الإمارة، وتنسى كيف كان الرجل يبحث عن صد سيل الفقر والمرارة. وأنت تلقى صديقا يحمل كوب الغنى واضعا مفاتيح الجنة الوهمية فوق الطاولة، تطفئ شعلتك بيديك حين تقارن فرضيات حياتك بوهم زائف. هل أنت بخير يا صديقي؟ هل أنت حي بين الأحياء أم ابتعدت عن لون الحياة وسط زيف الأشياء.

هي أوهام زائفة يا صديقي، فلا تتركها تقيدك، ولا تنس كيف تتوهج العجوز التي تمارس هوايتها المفضلة في كي ثياب الأحفاد، كأنها تحضن روائحهم لصدرها المتعب، فتحيا. ولا تنس كيف يشع الصغير الذي ينتظر والده بعد الغياب ليهديه نتائج امتحاناته الموسمية، ولا تنس كيف تتدلى ألوان الحياة من وجه أمك وهي تراك تحلق في سماء حقيقية بعيدا عن الوهم والزيف.

لا تنطفئ يا صديقي، وابحث طويلا عن الشغف الذي يشعل شمعتك، فقد أخبرتك سابقا؛ أنني أحاول إشعال شمعتي فافعل أنت أيضا، نشعل شموعنا معا لنغدو شمسا. توقف عن المقارنة بين الزيف والحقيقة، انس كل الوهم الذي يبيعه هؤلاء، وكن أنت الحقيقة، ابتعد ما استطعت عن طريق الوهم وابحث عن شغفك.، ابحث عن الشيء الذي سيجعلك متوهجا.

ابحث عن الشغف الذي تحمله في صدرك، عن الشغف الذي سيسقي البذور بين أضلاعك، لتصبح كالربيع المزهر. ابحث طويلا، أو ابحث قليلا، بالبحث ستجد عود الثقاب الذي سيشعل شمعتك، لتجد الحقيقة التي تجعلك دافئا. امض في طريقك لوحدك، امض شغوفا لتصعد هذا الجبل العالي أمامك، فلكل منا جبل لا بد من صعوده يا صديقي.

لكل منا ذلك الجدار المرعب الذي نتوقف أمامه ولا ندري كيف نمضي، لكننا نرجع قليلا للوراء يا صديقي، قليلا قليلا لتظهر الصورة كاملة. هو جبل عال وعر، ينتظر منا أن نخطو خطوتنا الأولى نحوه، لنسجل رحلة البحث الطويلة. تتغير الكمائن والعقبات، قد تتغير المراكب والدرجات، لكننا قد نلقى أشياء مبهجة أعلى القمة، ونحن نلامس لون السماء قد نجد كنزنا المفقود. أمامك هذا الجبل الشامخ يا صديقي، وأنت منطفئ حينا، ومشتعل ذات حين. فهل أنت قادر على صعود الجبل أيها الغريب، هل أنت مستعد؟

تأمل طويلا يا صديقي، ولا توقف الأسئلة التي تراودك، فلتمض نحو الجواب شغوفا. دمت متوهجا أيها الغريب، نلتقي في رسالة قادمة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri