الرداء الأبيض – الجزء الثاني

ظل الجيشان بقيادة الأخوين ينظران إلى الرداء حتى قررا بعدها حمله والذهاب به لحكيم القرية وشيخها المسن، الذي عاش من التجارب ما يكفيه لتربية أجيال وأجيال والكل في القرية يحترمه ويجعله في مكانته الخاصة، ذلك أنه كبيرهم والحكم بينهم في النزاعات والصراعات كما أنه صديق الملك السابق.

لما أتيا بذلك الرداء ووضعاه أمامه ظل ينظر إليه مدة من الزمن، ثم تحدث قائلا:

-أن يسقط هذا الرداء بينكما وأنتما على حافة حرب فتلك معجزة كبيرة؛ ذلك لأن له قصة عجيبة خاصة في النزاعات بين القبائل، فقديما يا أبنائي الأعزاء قبل أن تتوحد القبيلتين لتصيرا مملكة واحدة يحكمها أجدادكما، وقعت الحادثة العجيبة.

هذين القبيلتين يفصل بينهما نهر كبير لكنهما في بقعة جغرافية واحدة، ومن الجهة المقابلة جبل ضخم يفصل بينهما وبين الغابة الكبيرة التي تعتبر كمتاهة لأن كل من دخل إليها يتيه هناك، لا مخرج ولا مفر، إنها مقبرة للأحياء.

ومن المعلوم أن ضفتي النهر أرض خصبة صالحة للزراعة، ورعي الأغنام، فكان أهل القريتين يستغلونها للفلاحة، ويخرج الأطفال لرعي الأغنام والأبقار هناك، ومن بينهم فتاة وشاب من القريتين يقومان برعي الأغنام في ضفتي النهر، هي في ضفة وهو في الأخرى المقابلة لها، تعرفا على بعضهما وصارا يتبادلان الحديث يوميا، وبقيا على هذا المنوال حتى بلغا أشدهما وصارا يافعين، لتتطور علاقتهما فيما بعد حتى يقعا في حب بعضهما البعض، حب كان الشاهد عليه هو النهر الذي يفصل بين القريتين.

مرت مدة من الزمن، ولم يستطع الشاب كبح مشاعره ليتوجه نحو أهله ويخبرهم بالأمر، ليجدوا أنفسهم مضطرين إلى طلب يد ابنة القبيلة المجاورة. قررا في اليوم الموالي التوجه نحو القبيلة وكان لا بد من قطع مسافة كبيرة، حيث لا بد من التوجه نحو الجبل والدوران من خلفه ثم الذهاب إلى القبيلة المجاورة وسبب كل هذه المسافة هو النهر الضخم الذي يتوسطهما.

وصلا إلى القرية واستقبلهما أهل الفتاة استقبالا حارا، لكن هذا كان قبل معرفتهم ومعرفة سبب مجيئهم، ومن عادة أهل القبيلتين استضافة كل من يأتيهم. بعدما جلسوا وارتاحوا من عناء ومشقة الطريق وتناولوا ما قدم لهم من الطعام، بادر الأب بالحديث قائلا:

مقالات مرتبطة

-نشكركم على حسن وكرم الضيافة، إن ما أتينا من أجله اليوم هو من بين الأمور التي حدثت بسرعة ودون أن ندرك ذلك حتى تفاجأنا لما سمعنا بالخبر من ابننا، لقد جئنا من القرية المجاورة (هنا تغير لون وجه والد الفتاة) وذلك لطلب يد ابنتكم على سنة الله ورسوله (والفتاة تتلصص من بعيد لتلقط بعض الكلمات).

-قام أبوها قائلا: أنتم ضيوفنا واستضافتكم واجبنا، الشأن نفسه مع غيركم من الناس، لكن ما أتيتم من أجله هو أمر مستحيل، فبين القبيلتين ثأر قديم لا هم يتزوجون منا ولا نتزوج منهم نحن أيضا، غير ذلك فأنتم مرحب بكم في كل أي وقت شئتم.

-قام والد الشاب وشكرهم على حسن الضيافة وخرج رفقة أسرته يجر الأسى والخيبة، وهو عائد من مكان قوبل فيه طلبه بالرفض، لم ينطق أحدهم بكلمة مطلقا.

مرت العديد من الأيام على هذا الحدث الأليم لتستيقظ القبيلتين على اختفاء كل من الشاب والفتاة، الكل يبحث هنا وهناك لا أثر لهما يذكر.

توجها بعد ذلك نحو الغابة للبحث عنهما، وتحولت قصة الثأر إلى تضامن وتعاون بين القبيلتين الكل يبحث عنهما لكن الغابة متاهة كبيرة وكأنهما إبرة وسط كومة قش، لم يجدوا لهم أثرا سوى رداء أبيض ظل معلقا على شجرة، أخذاه وتوجها نحو كبير القرية ليقترحا عليهما الصلح لربما كان ذلك سببا في عودة أبنائهما، وذلك ما حدث بالضبط، تصالحت القبيلتان وبنيا جسرا في النهر ليتوحدا من جديد، لكن أبناءهما لم يعودا بعد إلى يومنا هذا.

بينما الشيخ الكبير يقص لهم قصة القبيلتين حدثت المفاجأة الكبرى، جاء رجل وامرأة إليه وقبلا رأسه، وجلسا بالقرب من الرداء الأبيض، وبادر الرجل بعدها بالحديث قائلا: أنا هو الشاب وهي الفتاة التي فررت معها من القرية، وأنت أيها الشيخ الكريم لا شك أنك من وحدت القبيلتين معا، كنا ندرك هذا جيدا، وها هو الزمن يكرر نفسه من جديد.

-رد الشيخ قائلا: هذه المرة رداءكما هو من أوقف الحرب التي كانت على وشك الحدوث وأنتما رمز السلام للقريتين وللمملكة اليوم فقد تصالح الإخوة اليوم وأهل القبيلتين بالأمس، ولولا أن ردائكما لم يقع وسط ساحة الحرب، لما حدث ما حدث.

وهكذا كانت نهاية قصة الرداء الأبيض التي اختتمت بزواج الرجل والمرأة وظل الرداء معلقا في ساحة المملكة شاهدا على القصة العجيبة التي تناقلها جيل بعد جيل.

1xbet casino siteleri bahis siteleri