بين ثنايا الكتب

لا ريب أن الكتاب هو ما يضم عددا معينا من الصفحات بين ثناياه، في كل صفحة بضعة فقرات تتشكل من الجمل، والجمل نفسها تتشكل من الكلمات، ثم الحروف التي تقدم لنا الكلمات. بطبيعة الحال، هذا ما هو موجود على أرض الواقع، وهي نظرتنا إلى الكتاب اليوم، فكثيرا ما نختزله في هذه العناصر المحدودة التي لا نخرج من التقوقع داخلها. لكن ألم نتساءل يوما عما يخبؤه هذا الكتاب من أسرار؟ ألم يأخذنا الفضول إلى الرغبة في الإبحار فيه وسبر أغواره؟ هي أسئلة لو طرحناها سنجد في الكتاب ما لا نتصوره، سنجد أمورا تفوق توقعاتنا، لأنه مما لا يمكن اختصاره في إطار معين.

إن ثنايا الكتاب بمثابة بوابة للسفر إلى عالم آخر، عالم لا يكدر صفوه شيء من واقعنا، عالم فيه من العجائب ما لا نهاية. تبدأ الرحلة حين يحمل القارئ المسافر الكتاب فيقرأ العنوان ثم يلاحظ الغلاف وما يحمله من دلالات تثير صراعا داخليا بين أفكار المتلقي، لتنهال عليه القراءات الأولية المتعددة لكل هذه المشيرات أو العتبات أو المفاتيح التي تعد بوابة للولوج إلى هذا العالم، لكن كل هذه الأمور تكتسي نوعا من الغموض والتعقيد ما دام القارئ لم يركب سفينة رحلته، الشيء الذي يدفعه إلى ضرورة اكتشاف ما هو مخبأ داخل صندوق العجائب هذا.

إن كل هذه الأمور هي من صنع الكاتب، فهو من يتحايل على القارئ المتلقي ليجذبه نحو عمله بيسر وسهولة، حيث يقدم العنوان والغلاف كطبقين ناقصين أو كلغزين وجب حلهما، هنا يستدرج الكاتب القارئ شيئا فشيئا من المقدمة حتى فصول الكتاب، وكلما تقدم القارئ في القراءة إلا ووجد سرا وجب عليه اكتشافه، وكأن الفخاخ مهيأة مسبقا لتجبره على الاستمرار من فصل إلى آخر، هكذا يكمل القارئ مسيرته وكأنه بجنة يجول بين طبقاتها في كل طبقة شيئا أروع مما هو موجود في الأخرى والإنسان يبحث هناك عما يشفي غليل شهوته أكثر، وشهوة القارئ هنا تفكيك الغموض الذي يوجد بداخل الكتاب، إنه سفر ممتع مليء بالمغامرات التي لا نهاية لها.

مقالات مرتبطة

يقلب الصفحات ويتقلب بينها ووسط أحداثها وداخل معانيها، إنها أرواح تنبض بالحياة، لكنها عالم يسوده الهدوء وغياب الفوضى وحتى إن وجدت فهي فوضى الكلمات والمعاني حين تتجاور لتؤسس لمشهد يقصده الكاتب.

إن الجمال هنا يتجلى في الإبداع عبر الخيال والتفنن في اختيار أحسن وأروع الألفاظ والمعاني، فلا شك أن اللفظ الحسن حين يجاور المعنى الدقيق لا بد أن يكون بليغا ماتعا خاصة لقارئ متشوق للبحث عن اللذة داخل هذه الفقرات، أما ما يزيد المشاهد والأحداث داخل الرواية جمالا ورونقا وإبداعا فهو الخيال.

والخيال عالم آخر حيث ينظم الشاعر قصيدته والرسام لوحته والكاتب خاطرته أو قصته أو روايته إنه قبل كل هذا فرد داخل مخيلته، يعيش مع ما يتخيله وإلى جانب العالم الذي يشكله بنفسه. هنا لا يمكننا الحديث إلا عن متلق شغوف ليتلقى هذا العمل الماتع ويدخل في غياهب سجنه وراء قضبانه، إنه سجن النجاة من واقع التقوقع في الأحداث اليومية المتكررة في حياتنا.

أما الكاتب فهو ذلك الذي يزين له المشهد في بداية الأمر فيصور له الهدوء والأمور تجري على ما يرام حتى يدخله في الأحداث المعقدة والنزاعات المتناهية ليخرجه بعدها إلى الحل أو اللاحل بداية ثم نهاية أو بداية دون نهاية أو نهاية مفتوحة إن شئنا؛ حيث يفتح له المجال لتقديم قراءات وتأويلات وتخمينات فيما سيحدث وهذا من أصعب ما قد يحدث لقارئ اعتاد أن يختتم قراءاته بنهاية كاملة، لكن في كلتا الحالتين هو في رحلة ماتعة لا يغادرها إلا حين يقترب من الصفحات الأخيرة ثم الوداع لينتهي قطار الرحلة في المحطة الأخيرة. مع ذلك الشعور الذي لا يوصف هنا يغلق القارئ الكتاب ليصير خارج ثناياه لكن بعينيه لا بعقله فباله منشغل مفتون بما حدث لم يصدق بعد أنها النهاية لكنها بالفعل نهايتين نهاية الكتاب ونهاية هذه الأسطر.

1xbet casino siteleri bahis siteleri