حين تسود سلطة المال على روح العالم

إن تلاعب العالم الغربي يجر الويلات إلى كل الحضارات، ينقل قيمه الزائفة في بناء الإنسان لذاته ومبادئه وأخلاقه وكل احتياجاته الوجدانية بما يتناسب مع رفاهيته المادية وحريته المطلقة في الممارسات مبتعدا عن المركز السردي “الإله” التي نالت منه معاول الهدم كليا. ولقد عبر عنها “نيتشه” في كتابه “العلم المرح” صراحة؛ على أن الانسان المابعد الحداثي قد صار يتيما، فقد أباه السماوي وحل المال مكانه كإله مادي جديد يرتدي عباءة الرأسمالية، وهو يصنع قيمه ويدعو ويبشر إليها بإغراءاته الكثيرة، في مشهد محزن تجد فيه المعتنقين لدينه كُثرا.

وقد نعى “نيتشه” موت الإله الميثافيزيقي عند العالم الغربي بعد التحرر والحداثة اللامنتهية التةي عرفها العالم خلال القرن العشرين؛ حيث أعلن عن تخوفه بالكثير من القلق والحيرة عن ظهور شذوذ السلوكيات التي طفت بعد موت الإله في هذا العالم – حسب تعبيره – حيث قال متسائلا: “كيف لنا أن نعزي أنفسنا ونحن قتلة؟ مَن كان أكثر قداسة وعظمة في العالم نزف حتى الموت بسبب خناجرنا؟ من ذا الذي يمسح الدماء من على أيدينا؟ أي مياه تكفي لتطهير أرواحنا؟ أي طقوس تطهير مقدسة يجب أن نمارسها؟ أليس عظمة هذا الفعل كبيرة علينا؟ أيجب علينا أن نصبح آلهة فقط لنكون مستحقين لذلك؟

إن سيادة المال وقوته جعلت البحث المعمق المتدرج في روح الأمم يتقلص بشكل مخيف مبعثرا كل قيم العالم المحافظ على ثوابت الروح داخل المركزيات السائدة (التاريخ، تسلسل الطبيعة في نظامها، جوهر التراث وروح القيم ..) حيث يحاول فيها جاهدا أن يظلم كل تلك الجوانب المضيئة في مكنون الإنسان المرتبط بمركزياته: الله، والعقل، والأمة، والدولة…وهو يحاول جاهدا أن يفصله عنها ويعكسها بشكل مطلق تجاه الفردانية الكبرى بكل حباله الفاتنة، حتى يتركه في خواء بلا معنى وبلا غاية وبلا روح، يقول “آدم سميث”: حينما تسود سلطة المال يتقلص الذكاء ويضحى سمو الفكر متعذرا، ينظر إلى التربية بازدراء، وتكاد روح البطولة تندثر كليا.”

أعتقد حقا أن “ما بعد الحداثية” التي ينقلها العالم الغربي بهذه القيم الناعمة تحت مسميات براقة وأكثر غواية، لن تقدم لبقية الحضارات والأمم سوى ظلام دامس تنغمس فيه، فكلما استمر المال بمعاول هدمه، كلما توارت كل القوى الروحية أمام سلطته وسيادته المطلقة؛ حيث سيقف المال خلف الإنسان في مواجهة روحه وحيدا ينزعها منه نزعا ليترك جسده كالطريدة المثخنة بالجراح وهي معلقة بين الحياة والموت.

1xbet casino siteleri bahis siteleri