انبعاث من رماد

635

يحدث أن تغرق في قعر ضياعك، تلتفت فتجد نفسك مقيد بحبال اليأس تود لو تتحرر وتنجو بنفسك لكن لا سبيل إلى ذلك، تأخذك غيبوبة مؤقتة تتأقلم مع وضعك تستسلم له لبرهة من الزمن، ثم تستفيق، تصطدم بشكل خافت لا يسمع لك دوي ثم تعود إلى بؤسك تستجدي الأمل في كل الأطياف المارة من جانبك.

تصرخ بأعلى صوتك تستنجدهم بانكسار لكن دون جدوى لا أحد يكلف نفسه عناء الالتفات صوبك ولو بنصف التفاتة فتغرق أكثر فيما أنت فيه، وتقبع في دائرة الانتظار، انتظار ما قد يرمق تصدعات روحك، من يشفق على تلك الشقوق وآثار الخراب الذي طالك بفعل طعنات الزمن.

ثم يأتيك من ينتشلك، يأتيك من يفك أسرك ويضحي بنفسه في سبيل إنقاذك، يأتيك بغتة دون أن تحسب له حسابا في الوقت الذي كنت فيه في أَوج الاحتضار، يأتيك كعوض من الله، برقية اعتذار من الحياة عن كل ما خربته فيك، يأتي حاملا عدته، يضمد الجراح ويعالج الندوب والكسور التي أوهنت جسدك، يدب الحياة في قلب أثقلته الخيبات، قلب صدئ كان من الصعب الوصول إليه، كل الجسور والطرق إليه هشة ضئيلة لا جدوى من المرور منها، ولكن يجيء من يجازف ويضع كل حياته على المحك ليبعث النور فيه، في قلب شابه الظلام لردح من الزمن مذ تلقى تلك الصفعات الغادرة ومذ أحكمت الحياة قبضتها الدنيئة عليه فاعتصرته وجردته من كل الجمال الذي تغنى به سابقاً، يأتي من يهبه الحياة من جديد من يعيد النبض إليه ويتربع على عرشه ماسكا زمام حياته فلا يغمره إلا بالسعادة والفرح والسرور، لوهلة قد لا تصدق كيف يمكن أن تحيا وتتحرر بسبب شخص، شخص على هيأة حياة، على مقاس قلبك وطموحاتك شخص طيب أنيق الإحساس، لطيفا، معطاء، مخلصا صادقا، أخذ من كل أماكن الحسن حفنة فصار كلا متكاملا في عينيك لا يشوبه نقص ولا يعتريه عيب، تتوجس في سرك منه تتقاطر عليك الأسئلة من كل حدب وصوب تكاد لا تصدق أنك نجوت على يده ولكنك تتيقن أنه بالفعل معجزة حدثت لك.

تحمَّلت فيما مضى شططَ المنافي، لأنك انتظرت بأمل زائف أفولها، ولأنَّك تجنَّبت الهزَّات العنيفة، تحملت لسعَ الشوق والمسافات لأنَّك كنتُ مؤمنًا حدَّ العظمِ ببؤسك وعلى الرَّغم من أنك حافظت على مسافة الأمان بينك وبينَ كلّ نكبة محتملة إلاَّ أنَّ المصائب تلسع ظهرك بسياط حارقة، ولكن يحدث أن تنبعث من رمادك، تقوم وتنفض عنك كل ما علق بصدرك من ضنك السنين الماضية وتعبها، تجد من تتكئ عليه بكل ثقلك، يحملك رغم ما تكدس بدواخلك من مخلفات للخيبات وبقايا الانكسارات والهزائم التي لحقت بك، يحملك دون أن ينبس ببنت شفة دون أن يشتكي من الثقل على كاهله يمضي بك نحو بر الأمان وأمارات الرضا بادية عليه، فتتقلب في نعيم دفئه وتنسلخ من ذاتك القديمة لتعانق الفرح والسرور وتصبح في أفضل نسخة منك، تصبح قويا لا تهاب شيئا، يصبح هو كل ما بحوزتك من أسلحة لمواجهة هذا العالم الموحش، به تتجنب ضراوة الخوف، يغدو آخر ما تبقى لك لتعيش، كل وسائلك لتبقى على قيد الحياة.

في حضرة هذا الملاك المنقذ يكتسي كل شيء حولك نكهة مميزة، يغدو العالم ولأول مرة جميلا في عينيك تندفع بشراهة نحو الحياة تضمها إليك وتتمسك بكل ما أوتيت من قوة بها تنسى لوهلة كل ما سببته لك كل ما خربته فيك، لأن هناك يدا خفية رممت كل أعطابك، تشعر في عمق دواخلك أن كل تلك السنين الشاقة لم تكن سوى إغفاءة جفن، تصبح أكثر إقبالا على الحياة بعدما كنت مؤمنًا في قرارة نفسك بأنك مقبل لا محالة على موت مبكر يخلصك من عبء الحياة، تعلن نفسك شخصا غير الذي كنت عليه من قبل تجد في خضم كل هذا ذاتك الضائعة لردح من الزمن، تمضي معصوب العينين إلى الأمام ويدك مشدودة على طولها إلى من أمنته على حياتك وكلك يقين أنك مستحيل أن تخيب أو تسقط ثانية لأن هناك دوما من سيتلقفك ويربت عليك ويرممك ولن تتخلى عنك الحياة لمرة أخرى.

1xbet casino siteleri bahis siteleri