الأخرس

تذهب بنا أمواج الحياة إلى وضعيات لم تكن في الحسبان، نفكر كثيرا، نرهق أنفسنا طويلا، وفي النهاية نترك الأمر للخالق جل في علاه، أحيانا قد نحزن من شدّة الخوف ونرفع ورقة بيضاء اللون من شدّة الاستسلام، ولكن هل هناك طريق آخر يعكس الضوء؟!

تساقطت أوراق أحلامي وأنا في سن المراهقة، عندما شاهدت الأخرس يقتحم جسد أمي كالجرثومة، كنت طفلة أعيش في عالم الزهور، بحيث لم أستوعب خطورته حتى لاحظت النتيجة بحواسي، وكان من الضروري أن أشاركها تلك الطقوس التي اعتادت القيام بها، بما فيها الفحص الطبي المتكرر والتحاليل، وقعت في كابوس مرعب شريطه السينمائي لا يزال بين عيني، أراها بين الحياة والموت، تتألم بسبب العلاج الكيميائي السّام، الذي أخذ شعرها الناعم ووزنها الأصلي، مع غثيان مستمر يسدّ الشهية ويسبب ضيقا في التنفس، بعدها العلاج الإشعاعي الذي أدّى إلى جفاف جلدها والتهاب حلقها مع مشكلة في البلع.

إنه الفزع الذي لم يفارقني، أصبحت أراه في كل مكان، في صداع، في وجع، صارت حياتي كلها قلق ورعب من فقدانها، نعم أخشى “السرطان”! وكلما فكرت فيه تصبب عرقي، خفق قلبي بشدة، وارتعشت يداي، يا رب نسألك اللطف.

ذهبت ذات مرة مع أمي إلى مركز علاج “السرطان”، حقيقة كان الوضع مؤلما! سمعت الكثير من الأصوات المحبطة من الواقع، من الأخرس، من المجتمع، ومن همجية القطاع الصحي، رأيت البكاء في أعين جميلة تعبت من الأخرس، الصراخ الشديد من ألم الكيميائي والإشعاعي، والنوم المخيف كجثة هامدة تنتظر الموت، ذاك الأخرس لم يكن يعرف صغيرا أو كبيرا، أطفال في سن الزهور رحلت طفولتهم سدى، نساء في قمّة الأنوثة اختفى جمالهن سريعا، ورجال في عز الهمّة ضعفت قوتهم باكرا، يا رب نسألك الصبر.

لقد كان بالنسبة لي أخرسا، خبيثا، قاتلا، بغض النظر عن اسمه الحقيقي “السرطان”، وهو مرض خطير يأكل الجسد ويمنع وظائفه، يعدّ من أمراض العصر الخطيرة والأكثر انتشارا في العالم، ويعتبر سببا رئيسيا من أسباب الوفاة، لكن “الحمد لله” احتمالات الشفاء الآن أصبحت في تطوّر ملحوظ، وهذا بفضل تقدم أساليب الكشف المبكر والعلاج، هذا المرض الأخرس يؤدّي إلى التعب النفسي أكثر من التعب الجسدي، قد يجعل الشخص يفقد الأمل في حياته، وينسى أن هناك خالقا جل في علاه خلق لكل داء دواء.

أمر محزن أن ترى انعدام الأمل في شخص يقاوم “السرطان”، وكأنه يحسّ بأن ما من معنى لأي شيء كيفما كان نوعه، هذا خطأ كبير يجب تجنّبه من أجل الصحة النفسية والجسدية، لأن الله قادر أن يغيّر كل الأقدار والأحوال، فقط إيمان قوي بقدرته ودعاء دائم برحمته.

اللهمّ لك الحمد والشكر على كل نعمة وابتلاء، يا رب نطلب منك الشفاء العاجل لكل مرضى “السرطان” ، يا رب نسألك من عظمة قدرتك أن تمدّهم بالصحة والعافية، اللهمّ ربّ الناس أذهب البأس، “المجد لكل مريض آمن بقضاء الله وقدره، وتصالح مع ذاته رغم المرض”.

1xbet casino siteleri bahis siteleri