عن براءة الأرواح أتحدث!

نادرة هي تلك اللحظات التي تهبك فيها الحياة نعمة على هيئة شخص، تجعلك دائما ما تهمس في نفسك متسائلا، أين كان طول هذه المدة؟ إحساس قد لا تجد لتفسيره سبيلا، وفي المقابل، تظل شاكرا خالقك على نعمة أغنتك عن الدنيا، شخص كان أو ربما لا زال خير مؤنس ومعين لك وحتى راسما ابتسامة تنير وجهك على طول الطريق، فلا ترجو كتابة نهاية للحكاية أو فراق، قد يخلف أوجاعا لم تكن لتتمناها يوما.

ذاك الشخص هو حبيب قد تملك قلبك مذ أول وهلة وطأت فيها كلماته مسامعك، فتراه يخشى عليك من تواطؤات الأنام وشرورها التي ستتلف روحك وتهدم كيانك لا محالة. في كل خطوة يسبقك إليها كي يمهد لك الطريق فتكون مستريحا مطمئنا وأنت في طريقك لتحقيق مبتغاك وطموحك الذي لطالما كنت ترنو لرسمه على أرض الواقع، وسرعان ما يربت على كتفك فخرا وسعادة أنك قد وصلت رغم العقبات التي حالت دون أن تحقق ما وُجِدَت من أجله.

قد تنقلب عليك الدنيا رأسا على عقب والصديق الذي حسبته أخا كان عدوا يلقي بسهامه في ظهرك كلما سنحت له الفرصة لذلك، إلا أنك كنت غاضا بصرك بذريعة أنه يحميك، لكنه كان دائما على استعداد أن يلقي بك في اليم دون مبالاة كي يمهد لنفسه الطريق فيصبح خاليا من الأشواك. لكنك في الواقع لم تتلقَّ أبدا تلك السهام بل كانت دائما ما تحط رحالها في ظهر ذاك الذي قد وقع في هيامك، فهو دائما ما كان ناصحا حاميا لظهرك، حتى من قطرات المطر التي تتربع على خدك فما بالك بذلك الشر الذي يستمده الشخص للإيقاع بأخيه دون سابق إنذار.

إن الحياة رغم تقلباتها وظلامها المستبد لا بد إلا وأن تضيء لك جانبا من جوانبها، فينبثق منه نور، ترى نفسك تشكر خالقك ليل نهار، وتبقى ممتنا راضيا ومتحمسا من أجل الاستمرار رغم كيد الكائدين ورغم المحطات المضنية الشاقة.

مقالات مرتبطة

وكما سبق لي الذكر، تهبك الحياة نعمة على شكل أشخاص، وقد يتجلى هذا الشخص أيضا في صديق، كنت دائما تشاركه مكنوناتك وطموحاتك إلا أنك دائما ما كنت تقع في مصيدة النفاق والاستغلال، فجأة ترى الدنيا قد ألقت بظلامها من جديد أمام عينيك، وتعيش في دوامة لا متناهية من الأسئلة التي تعيد نفسها وتحوم في فكرك دون أن تحصل على أدنى إجابة، فتتحسر على لحظات كنت فيها مصدر استغلال للوصول لما أراده يوما فمن دونك لم يكن ليصل لما ارتجاه، فتكتسب أنت الآخر عقدة جديدة من عقد مدرسة الحياة، فتجد نفسك حريصا على أن تُباغَت من جديد فتقع في نفس الخطأ.

بعد مدة من هذا كله، قد تهديك الحياة مرة أخرى صديقا لم يكن في الحسبان، تأمنه مكنوناتك فيكون ناصحا مرشدا كي لا تقع من على الهاوية، في لحظة انكسار تراه جابرا مواسيا، وفي لحظة نجاح تراه فخورا ينبض فرحا، في لحظة حزن يعينك على تخطيها مهديا حضنا علك تنسى ما أنت بصدد عيشه أو كتفا يهبها لك فتكون محط دموعك الغالية كي تبدأ من جديد وتشق طريقك راضيا بالموجود وغير حزين على المفقود، وجوده وكأنه قوة خفية تعينك على أن تواصل المسير رغم حقد الحاقدين. ذاك الصديق يتجلى في ذلك البصيص من النور الذي تلمحه وأنت بداخل دنيا من الظلام وسواد يحيط بك من كل مكان، فتشكر الله على نعمة ما خلقت سوى أن تكون سندا ورحمة وأمنا لك دون سواه من البشر.

في خضم حربك مع متطلبات النفس والحياة، لا بد أن تشق طريقك وأنت على لقاء بأشخاص قد تنير دربك كما سبق الذكر أو ابتسامة تعينك دون شك على الاستمرار أو كلمة قيلت سهوا أو عن قصد قد تصعد بك إلى أعلى عليين فترى نفسك ودون وعي تحقق ما كنت دائما بصدد الحلم به، وقد تجد يدا تربت على كتفك وكأنها سند على استعداد أن تقومك في كل اعوجاج، في حين أن هناك أشخاصا بجانبك رغم كل الصعوبات فتعينان بعضكما البعض على تخطي عقبات الحياة، قس على ذلك أسرتك الصغيرة التي ما تلبث تبذل مجهودات جمة كي تنير بمشعل الفخر والاعتزاز، كيف لا وقد سهرت أمهاتنا على تربيتنا ورعايتنا وفطامنا، وآباؤنا فلولاهم لم نكن لنستطيع رد الجميل لهم، وهم يخرجون في الصباح الباكر بحثا عن لقمة تشبع بطونا أرهقها الجوع والعطش، قس على ذلك من قبلتك قلوبهم دون أدنى شروط، فكانوا لك خير عون وناصح، وأينما كانوا إلا والسلام والاطمئنان يتسلل إلى ثنايا قلبك الذي أهلكه سواد الدنيا وشرها، أضف إلى ذلك أصدقاء أنت على أتم استعداد أن تضحي بما تملكه علك ترد لهم جميل ما قدموه لأجلك.

بناء على ما سبق، مهما عصفت بك الدنيا، ومهما ألقت بك أمواجها بقسوة يمينا وشمالا، فاعلم أنه لا بد وـن يتجلى لك بصيص من نور لينتشلك من ذاك الركن الموحش. فاغتنم الفرصة واشكر من زرعت ذرة محبة لك في قلبه، من علمك حرفا، من ضحى من أجلك بالغالي والنفيس دون مقابل، فلا ندرك قيمة من حولنا من أهل وأحبة وأصدقاء إلا بعد أن نفقدهم، وحينها نتمنى أن يعود بنا الزمان ولو لدقائق لنخبرهم كم كنا نحبهم. شكرا لكم.