لكل حكاية قالب تكتسيه

تحت مسميات كثيرة منها التحفيز، التطور، التحسن…عشنا ضغطا مجتمعيا رهيبا، مسميات أخذت أعمدة مغلوطة حتى ترتكز عليها، فما باتت إلا وانهارت لينهار معها البنيان بأكمله وهو الشخص.

أعمدة متزعزعة نحاول تثبيتها واعتبارها الحل الأمثل لإنقاذ النفس من خوف التسويف والبقاء خلفا إلى التطور والتقدم أماما، أعمدة هشة لا سبيل لبقائها واقفة داعمة حامية، أعمدة مسماها الرئيسي “المقارنات”.

هوس المقارنة، مرض خبيث كثيرا ما تخلل فترات من حياتنا، لا سيما تلك الفترات التي يستيقظ بها العقل نشيطا مجندا كل خلاياه صوب هدف معين ألا وهو الخروج من منطقة الراحة والأخذ بيد شخصنا الماضي الضعيف البدائي، نحو شخصنا المستقبلي القوي المتطور، ذاك العامل الجاد الذي يسعى إلى التغيير الجذري، فلا نجد بدا من الهروب من فخ المقارنات، فخ يقتنصنا جميعا، فنتحول من أشخاص يسعون إلى الزيادة من إنتاجيتهم والخروج من قوقعة الفشل إلى آخرين يتربصون بحياة الأغيار من حولهم، مكونين حسدا بغضا وحقدا لا يدرون أصل تشكله، فبدل التمحور على الذات ودمج الأخطاء الماضية مع التجارب الحاضرة لتشكيل نسخة أحسن، نهدم شخصياتنا رويدا رويدا، وندفن إبداعاتنا، أفكارنا، ميزاتنا تحت غبار، ركام وحطام المقارنات.

رب الكون خالقنا جميعا، خلق كل فرد مميز بشخصيته، أحلامه، أهدافه وغيرها، وجعل لكل واحد منا حياته، طريقه ومساره الخاص به، وإن كانت لنا وجهة واحدة نتشاركها مع عشرات آخرين، فإن لكل طريق مختلفة للوصول إليها، لكل واحد منطقة عبور مخصصة لقيمه، إبداعاته ومبادئه، فجميعنا نختلف في مهاراتنا، ميزاتنا وكل ما يتعلق بتفاصيلنا الصغيرة كانت أو الكبيرة، عند الدخول إلى قفص المقارنات، فإننا نسجن فردانيتنا، نقتل إبداعاتنا محاولين تشكيل نسخة مطابقة الأصل عن شخص لا ندري كيفية وصوله إلى النقطة تلك.

المقارنة جحيم الشخص ذاته، يقلل بها من قيمة نفسه وقدراته، فلا يلتفت إلى الميزات التي خصه بها الله تعالى، ويظل مركزا على أشياء لن تزيد إلا من سخطه عن ذاته وعدم قبوله لكينونته، فالنجاح والوصول إلى المبتغى لا يتأتى بمحاكاة الآخرين والمقارنة الدائمة، إنما يتشكل بالاشتغال على الذات ومقارنة الإنسان الحالية مع ذاته بالأمس، فإن تطورت فذاك نجاح، وإن بقيت راسخة مكانها فتلك نقطة التحول وبداية التغيير الذي وجب التركيز والاشتغال عليها، فالزهرة لا تفكر بمنافسة الزهرة المجاورة لما هي عليه، إنما تزهر فقط.

الإلهام والمقارنة، شتان ما بين هذين المفهومين، فالإلهام نقطة أمل تلوح لنا من بعيد، تعطينا ملخصا مفاده إن نجح الآخر فبإمكاني أيضا النجاح، أما الثانية فوأد للذات وإلغاء لها أمام الآخر، الحياة منافسة نعم، إنما بعيدة كل البعد عن المقارنة، فإننا لن نشعر أبدا بالكفاية عند تطلعنا للأغيار من حولنا، فدائما ما سيكون غيرنا أفضل في منطقة ما، في مجال ما وفي وقت ما.

ما وجب فهمه، هو أنه ليس هناك حياة كاملة لأي شخص على وجه الأرض، فما أنا عليه الآن وما أمتلكه من مؤهلات مادية كانت أو معنوية، قد يكون حلما يراود ذاك الشخص الذي أطمع أن أتشبه به حد الانصهار.

المقارنة في حد ذاتها هوس متجذر الأصول متشعب الخلفيات، إنما غالبا ما يكون مصدره أسلوب تربوي اعتمده الآباء ظانين أنه التنشئة المثالية لتحفيز الأطفال، غير آبهين بمدى تدميره الشخصية الطرية التي تتكون حبة حبة، فكل الأطفال بذورا وجب أن تسقى لكي تكبر وتنضج، فإن رويت بالمقارنات كبرت سيقانها عوجاء، تميل بها الرياح تابعة هذا وذاك، وظلت معوجة أبد الدهر.

رسالة أولى لجل للآباء، سواء حظيتم بأطفال أو ما زلتم راجين المنح الربانية، ورسالة لكل آباء الغد الأفضل، لا تقارنوا أطفالكم بأطفال الآخرين في أي منحى من مناحي الحياة، فما يقود هذا الشيء إلا لتدميرهم لا مساعدتهم، فالأطفال مختلفون بشخصياتهم كل الاختلاف، وجب فقط اكتشاف نقاط قوتهم ومساعدتهم على بناء شخصيات قوية واسعوا ليكون أطفالكم ذوو ثقة كبيرة، مؤمنين أنهم متميزون ولهم حياة خاصة بهم، تختلف عن حياة باقي الأطفال، ولا تدوسوا فوق وردة بدأت لتوها التفتح.

رسالة ثانية لي ولك، أنت لا تحتاج مقارنة نفسك بالآخرين فلكل حكاية قالب تكتسيه لذا اصنع قالبك بنفسك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri