الإنسان بين الإحباط والأمل

الحياة مليئة بالأفراح والمسرات، فيها السعيد والتعيس، الغني والفقير، الناجح والفاشل، الكبير والصغير، الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، الإحباط والأمل، فيها وفيها من المتناقضات ما لانهاية، هي سبب الاختلاف بيننا، لكن ما يوحدنا هو الإنسانية، وما تجمعنا سوى الأخوة، وتطلعاتنا هي عيش غد أفضل من اليوم، ذلك هو الأمل الذي يسري في عروق كل فرد منا، وتلك هي القوة التي لا مثيل لها، إن شئتم سموه بالإرادة، أو الرغبة، أو التغيير، أو السعي، أو الطموح، أو الكفاح أو الاجتهاد، فقط لا تنزعوا جرعات الأمل منه، فهي روحه وجوهره، هي نَفَسه الذي يتنفسه كل يوم.

كم من واحد تاه في دوامة هذه المتناقضات، وتداعى بالسقوط والانهيار، لكنه أدرك أن بعد السقوط نهوض، وبعد الانهيار بناء، فلم نختار الأسود دائما ما دام الأبيض حاضرا؟ إن أجمل شيء أن تعيش الأزمة فتوجهك نحو الازدهار، وتتعرف على الفشل فيأخذك إلى النجاح، لكن عن أي فشل نتحدث؟ ليس هناك فشل مطلقا، إنما هو إنسان ظل طريقه، أو تعثرت قدماه، لكن بعد أن ظل الطريق، عرف كل الطرقات وحفظها فسلكها دون أن تتعثر قدماه مرة أخرى. كم هو رائع أن تعيش بين هذه المتقابلات أو المتناقضات، سيرى المتأمل فيها أنه لا علاقة لهذا المفهوم بذاك، فهو ضده ونقيضه، لكن جوهر الأمر يتمثل في أن ذاك المفهوم هو السبب في تشبثك بنقيضه وسعيك نحو تحقيقه.

إن الذي يريد المشي لأول مرة، لا بد أن يسقط ليتعلم المشي، تلك هي المعادلة التي يتحتم على الإنسان اتباعها، سيقول البعض: نحن نريد الأفضل دوما، لا حاجة لنا بما هو سلبي، لكن ليعلم هؤلاء أنه لولا مرضهم لما علموا قيمة الصحة، ولولا الظلمات ما عرفوا قيمة النور.
في هذه الحياة، خلق الذكر والأنثى ليكمل بعضهما بعضا، ووجد الاختلاف بين الناس ليسدوا ثغرات بعضهم البعض، ووجدت المفاهيم السلبية لتجعلنا متشبثين بعكسها أو ضدها، أي الإيجابية فقط دونما سواها. لكن، هذا لا يعني عدم الوقوع فيها مطلقا، لا ثم لا، بل من الصواب الوقوع فيها بين الفينة والأخرى، لنتذكر أين نسير، ونحاسب أنفسنا بشكل دوري، ونتفحصها كما يتفحص التقني السيارة في الموعد المحدد لها.

الإنسان معرض للمشاكل، يتألم، ويحزن، ويبكي ويشعر بالإحباط، لكن كل هذا يربي فيه تلك الشخصية القوية، التي عندما تتجاوز المشاكل، تتنفس نفسا آخر للحياة، نفسا فريدا من نوعه، وتبتسم بعد أن كان الحزن يخيم عليها.

كم من شخص عاش محبطا لفترة معينة، لكن وقع شيء معين غير كل الموازين، وهناك أمثلة عديدة تذكر على مر التاريخ، وهذا المثال طبعا عجيب شيئا ما، قبل أن أخوض فيه سأسأل سؤالا أو طلبا إن شئتم، تخيلوا لو أن العالم لم يعرف شيئا اسمه الكهرباء.
سيقودنا هذا السؤال إلى القصة الشهيرة لمن لقبوه بالفاشل في دراسته، فقط تخيل أيها القارئ العزيز، أن مخترعا من أشهر المخترعين في العالم، طرد من المدرسة لأنه كان لا يفهم بسرعة، هل يعقل هذا؟ إنه توماس أديسون، الذي اخترع ما يزيد عن 1300 اختراع، أهمهم المصباح الكهربائي، الذي جعل الظلام نورا، والليل مضيئا، قصة عجيبة يضرب بها المثل.

بعد أن خرج توماس من المدرسة، سلم الرسالة التي أعطوه إياها لأمه بدأت تقرؤها له والدموع تتهاطل بغزارة من عينيها، لكن العجيب في الأمر أنها قرأتها بشكل رائع وغيرت مضمونها حيث قالت ما يلي: ابنك عبقري والمدرسة غير قادرة على مواكبة مستواه أو ليست بالمستوى الذي يليق به، إنه أذكى من كل هذا لذا درسيه أنت.

مقالات مرتبطة

بدأت الأم تدرسه لكن بطريقة مدهشة وعجيبة، طريقة أحبها الطفل بشدة حتى أنه قال لها يوما إنه يريد مختبر كيمياء في المنزل، أخذت الأم ما معها من أموال واشترت بها أدوات بسيطة لتحقق لابنها طلبه، وبالفعل حققت ذلك وأديسون بحماس كبير في مختبره يحاول فعل ما عجز عنه الآخرون، ومن يرى هذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره يظن أنه يلعب فقط.

ذات يوم مرضت أمه مرضا شديدا وأخبره الطبيب بضرورة العملية الجراحية لكن الظلام هو العائق وسينتظر إلى الصبح ليشرع فيها، غرق أديسون في التفكير ولم يقبل تلك الفكرة مطلقا؛ لأن أمه تعاني، ذهب إلى مختبره وصار يفعل عدة تجارب بلغت تسعا وتسعين تجربة.

عليك أن تعلم عزيزي القارئ أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة وانطلاقة أقوى من الأولى. نجح أديسون في التجربة المائة في إضاءة المصباح لمدة أربعين دقيقة، وقال بما أنه أضاء لهذه المدة فسيضيء لمئة سنة، بعدها سيحترق مختبره ليخبر أخاه بأن كل التجارب الفاشلة احترقت. بعد وفاة والدته وجد في تلك الرسالة ما يلي: ابنك غبي ولا يصلح للتعليم مطلقا، ليدرك أنه لولا أمه لكان لا شيء، إذ الأم مصنع الأمل بل هي الأمل كله.

إنها قصة مثالية وعبرة لمن يستسلم لمجرد أن فشل مرة واحدة وتراجع عن كل أهدافه. لم يفشل هذا الشخص مرتين أو ثلاثة بل تسعا وتسعين مرة لم يرفع فيها الراية البيضاء مطلقا، هنا كان الإحباط بعد الطرد من المدرسة سببا في بقائه جوار أمه لتدرسه، وكان الفشل في كل مرة هو الدافع لنجاحه. هذه قصص وعبر للعديد من الناس الذين يتوقفون عند المفاهيم السلبية ويضعون حدا لأهدافهم التي لم يصلوها بعد.

عزيزي القارئ، هناك حكمة يابانية تقول: ليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل بداية، لذلك، لا تجعل المفاهيم السلبية هي النهاية بل بوابة للانفتاح على كل ما هو إيجابي، وما دامت الروح في الجسد والدماء تسري في العروق فهناك أمل في تحقيق الأفضل؛ النجاح، والتفوق، والتألق وتحقيق الأحلام.

عزيزي القارئ كلماتي هي صلة وصل بيني وبينك، فاعتبرها من أجمل الهدايا المتواضعة التي تلقيتها في حياتك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri